ما تفرضه المسؤولية على المفوضية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بلغ الأمر في السودان حداً من الخطر لم يعد من الممكن السكوت عليه، لأنه خطر يصل في عواقبه إلى خارج حدود السودان.

هذا ما تفهمه من حديث موسى فقي، رئيس المفوضية الأفريقية، خلال اجتماع دعت إليه منظمة «إيغاد» في جيبوتي 12 من هذا الشهر.

ومما قاله فقي إن ما يجري في السودان من قتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، تجاوز القتال العادي الذي يمكن أن يدور بين أي طرفين متقاتلين، ووصل إلى درجة من التدمير الذاتي الذي لن يتوقف خطره داخل البلاد وحدها، ولكنه في مرحلة من مراحله سيصيب المنطقة كلها، بحكم مساحة السودان الممتدة أولاً، وبحكم العدد الكبير من الدول التي تقع في جوار مباشر مع السودان ثانياً، وبحكم الأطراف الداخلية الكثيرة التي يمكن أن تتداخل في الصراع فيتحول عندها من مجرد حرب بين طرفين كما بدأ، إلى حرب متعددة الأطراف، فلا تعرف عندئذ مَنْ مع مَنْ على وجه التحديد، ولا مَنْ على وجه التحديد ضد مَنْ؟

ومما قاله رئيس المفوضية أيضاً، إن مفوضيته تشجع حواراً شاملاً يقوده السودانيون أنفسهم، بما يؤدي في النهاية إلى وقف هذه الحرب بأي طريقة وبأي شكل.

والحقيقة أن ما يقوله فقي صحيح بمثل ما هو خطير، لأنه يكشف لنا المدى الذي وصلت إليه الأمور في الدولة السودانية، ثم يكشف - وهذا هو الأخطر - عما يمكن أن تذهب إليه الأمور نفسها في المستقبل، إذا ما دام الحال على ما هو عليه في اللحظة التي كان رئيس المفوضية يتكلم عن الموضوع.

غير أن الذين طالعوا تحذير الرجل من خطورة الأمر في السودان، لا بد أنهم قد تساءلوا عن الجهة التي كان يخاطبها بما يقول ويتوجه بحديثه إليها؟.. فهو لو كان يخاطب ما يسمى بالمجتمع الدولي، فليس هناك في الحقيقة كيان بهذا المسمى، وإذا كان هذا الكيان موجوداً فهو من نوع السراب الذي كلما جئته لتتبين حقيقته، اتضح لك أنك تقريباً أمام لا شيء.

ولذلك، فالرهان على مجتمع دولي في الملف السوداني أو في سواه من الملفات الإقليمية، رهان على شيء غير فاعل على الأرض.

ولا رهان يجب أن يكون في موضوع السودان إلا على الاتحاد الأفريقي، الذي تمثل المفوضية ذراعه الفاعلة، والذي يستطيع بها لو شاء أن «يفعل» شيئاً في هذه الحرب المدمرة.

وأنا أضع الفعل في الجملة السابقة بين أقواس، لينتبه الاتحاد، ولتنتبه معه مفوضيته، إلى أن الوضع المحزن في السودان لا يحتاج مزيداً من الكلام، ولكنه يحتاج إلى فعل حي يوقف هذه المأساة ويضع لها نهاية فلا تتطور إلى ما لا يجب أن تتطور إليه.

إننا نعرف أن الاتحاد الأوروبي على الشاطئ الآخر من البحر المتوسط له مفوضية في بروكسل، ونعرف أن هذه المفوضية هي يده التي تمارس الفعل لا الكلام عند الحاجة، ونعرف أن الدول الأعضاء في الاتحاد قد جربت المفوضية في حالات كثيرة، فكانت تفعل كما هو الظن فيها ولم تكن تتكلم.

وهذا بالضبط ما نريده من موسى فقي، وما نأمله فيه، وما ندعوه إلى أن يسارع إليه، لأنه إذا كان يخاطبنا بما يقول، فنحن كأفراد أو أحاد من الناس لا نملك فعل شيء بكل أسف، وإذا كان يخاطب ما يسمى بالمجتمع الدولي فهو يخاطب هواءً أو ما يشبه الهواء.

وكنا سمعنا في بدء الحرب 15 أبريل، أن المفوضية الأفريقية تطرح مبادرة لوقف الحرب، وأن رئيسها سوف يطير بالمبادرة إلى الخرطوم، ولكن الحاصل أن شيئاً من هذا لم يحدث، ولو حدث في البداية لكان قد نجح فيما يمكن إلا ينجح فيه الآن.

فلتفعل المفوضية شيئاً لوجه الله ووجه السودان، وليبادر موسى فقي بما تفرضه عليه مسؤوليته، ولينقذ السودان من بعض أهله الذين يدمرونه بلا قلب.

 

* كاتب صحافي مصري

Email