عندما ضرب الزلزال تركيا وسوريا في السادس من فبراير الماضي، تصورت المعارضة التركية أن الزلزال قد جاءها بمثابة هدية من السماء.
ذلك أن تداعيات الزلزال على الأرض كانت مخيفة، كما أن عمليات رفع هذه التداعيات كانت فوق قدرات أي حكومة، وكانت تركيا وقتها تتهيأ للذهاب إلى استحقاقين رئاسي وبرلماني في يوم واحد، ولم تكن المعارضة قد اختارت مرشحها أمام الرئيس رجب طيب أردوغان بعد، ولكن وقوع الزلزال في هذا التوقيت جعل المعارضة تسارع بالاستعداد لخوض السباق.
وكانت المعارضة تتابع أحوال الأتراك الذين ضربهم الزلزال وكانت تراهم يتململون، وكانت تراهن على التململ الظاهر من جانبهم، وكانت تراه علامة على تقصير الحكومة في أنقرة، وكانت تريد أن توظف هذا كله في السباق إلى القصر الرئاسي بالذات.
كانت تتوقع أن يقف «الجنرال زلزال» معها، وأن يقف في المقابل في طريق أردوغان، تماماً كما وقف «الجنرال ثلج» من قبل في طريق نابليون مرة، وفي طريق هتلر مرة ثانية.
ففي القرن قبل الماضي كان نابليون قد جرب غزو روسيا، وكان ذلك في أجواء الشتاء، فوقف الثلج المتراكم على الأرض في طريق الجيش، وعجز القائد الفرنسي الشهير عن هزيمة الجنرال ثلج، أو الجنرال الأبيض كما أطلقوا عليه في بعض الأحيان. ومن يومها صار العالم يضرب المثل بقصة نابليون عندما تقف الطبيعة ضد رغبة قائد في الوصول إلى هدف يقصده.
ولأن الإنسان نادراً ما يستوعب دروس التاريخ، فإن هتلر جاء في الحرب العالمية الثانية، ليجرب ما سبق أن جربه نابليون في القرن التاسع عشر، وكأن مرور الوقت من قرن إلى قرن يمكن أن يغير من الدرس، أو يمكن أن يجعل الجنرال ثلج يتوقف عن الوقوف فوق أرضه ضد جيش العدو!
وعندما طرق هتلر أبواب موسكو في الحرب الثانية، لم يكن حظه بأفضل من حظ القائد الفرنسي، لأن الجنرال ثلج نفسه كان في انتظار الجيش الألماني هناك، ولأنك لا يمكن كما قيل دائماً أن تفعل الشيء نفسه للمرة الثانية ثم تتوقع نتيجة مختلفة!
ولم يختلف حال الجنرال زلزال مع المعارضة التركية في السباق الرئاسي، عن حال الجنرال ثلج في الحالتين السابقتين.
ولا يوجد تفسير حتى الآن لما جرى، ولكن توجد حقيقة تقول إن الجنرال زلزال الذي كان أردوغان يخشاه وكان يتحسب منه، لم يستطع الوقوف في طريقه، ولم ينجح في صد الرئيس التركي وهو يسعى بكل همة إلى قصر الحكم من جديد.
لقد كان الزلزال عنيفاً، وكان قاسياً على المناطق التي ضربها في البلدين بقوة، وبالذات في تركيا التي ضرب فيها ما يقرب من 11 ولاية، وليس أقدر من الصور التي تابعناها مع العالم، على تصوير ما أصاب الناس في تلك الولايات من أضرار.
وكان ظن أحزاب المعارضة التركية الستة، وهي تدفع بمرشحها كمال كليتشدار أوغلو، لمنافسة أردوغان في السباق والفوز عليه، أن الناخب في ولايات الزلزال بالذات سوف يكون له رأي آخر، حين يذهب ويضع صوته في صندوق الاقتراع. فالناخب في هذه المناطق لا بد أن يكون ناقماً على الحكومة، مهما قدمت له، ومهما حاولت تخفيف وطأة الزلزال عليه.
هكذا كان ظن المعارضة عموماً، وهكذا كان تصور الأحزاب الستة خصوصاً، ولكن يبدو أن الجنرال زلزال كان له ظن مختلف، وكان له تصور مغاير..
ولأن أصداء المعركة لا تزال قريبة، ولأن ترابها لا يزال في الأفق أمامنا، فليس من الممكن الآن فهم حقيقة ما جرى، ولا من الممكن فهم حقيقة الحسبة التي حسبها الناخب، وهو يوازن بين الرئيس التركي وبين كليتشدار أوغلو في جولة الحسم الثانية، ثم يميل إلى الأول ويُخيّب ظن الثاني.
* كاتب صحافي مصري