البيئة هبة ربانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

البيئة هبة ربانية عظيمة، وهي بمواردها وخصائصها من أعظم النعم التي خصنا الله تعالى بها، فمن بين مليارات المجرات في هذا الكون الشاسع الفسيح، ومن بين مليارات الكواكب في هذه المجرة حبا الله الأرض بالموارد والخصائص التي جعلت منها بيئة صالحة للحياة والسكن لكل من يعيش عليها، قال تعالى مذكراً بهذه النعمة: {‌والأرض ‌وضعها للأنام. فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام. والحب ذو العصف والريحان. فبأي آلاء ربكما تكذبان}.

إن هذه الحقيقة تحتم على الإنسان المحافظة على هذه النعمة العظيمة، والسعي الحثيث لاستدامتها، والحيلولة دون تدهورها، لتبقى لأجيال الحاضر والمستقبل، وقد ازداد الاهتمام بالبيئة في الفترة الأخيرة بسبب الوعي المتزايد بالأزمة البيئية والتغير المناحي الذي يشكل تهديداً لمختلف مناحي الحياة، ما اقتضى تسخير مختلف الجهود لترسيخ الوعي البيئي لدى المجتمعات تجاه هذه المشكلة، واتخاذ التدابير العلاجية والوقائية للتغلب عليها.

إن هذه المسؤولية لا تقتصر فقط على الدول والمنظمات والشركات الكبرى، ولئن كان لها الدور المحوري في هذا المجال من خلال اتخاذ السياسات والمبادرات النوعية الفاعلة للمحافظة على البيئة والتصدي للتغير المناخي، بل تمتد هذه المسؤولية لتشمل عموم الأفراد الذين هم ركيزة أساسية لإنجاح هذه المساعي كلها.

ومن أهم ذلك أن يتحلى الفرد بالوعي والمسؤولية التي تملي عليه الوقوف مع قيادته في دعم السياسات والمبادرات التي تتخذها لحماية البيئة، إذْ لا يمكن للسياسات والمبادرات أن تنجح في الحد من المشكلات البيئية دون تجاوب من الأفراد وتفهمهم وتعاونهم واستجابتهم، ودون أن يكون لديهم وعي بأهمية هذه السياسات والمبادرات التي تنعكس على جودة حياتهم بالدرجة الأولى، ومتى استوعب الأفراد في المجتمعات مسؤولياتهم هذه تمكنت الدول والمنظمات من تحقيق خطوات وإنجازات متقدمة للحد من التدهور البيئي، فالمسؤولية الفردية والجماعية مترابطتان.

كما يأتي دور الأفراد من خلال ممارساتهم وعاداتهم وأنشطتهم، والأساليب الحياتية التي يتبعونها في منازلهم وفي حياتهم اليومية، والتي ينبغي أن تسهم في المحافظة على الموارد وترشيد الاستهلاك وتحسين جودة البيئة، ومن ذلك على سبيل المثال ترشيد استهلاك المياه والكهرباء في المنازل، وإعادة التدوير والاستخدام، وترشيد العادات الشرائية، وعدم شراء الأشياء من دون حاجة فعلية لها، وغير ذلك من العادات وأنماط الحياة الرشيدة المعتدلة، وترسيخ ذلك لدى الأبناء والبنات، بحيث يتحلوا بروح المسؤولية تجاه نعمة المياه والكهرباء في المنزل، والاعتدال في عاداتهم الشرائية، فينشؤوا على ذلك معتدلين غير مسرفين، وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بترسيخ هذه الثقافة في المجتمع، فقد مر ذات يوم بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف يا سعد؟» قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: «نعم، وإن ‌كنت ‌على ‌نهر ‌جار»، وقد انعكس ذلك على واقع الصحابة رضي الله عنهم، فحرصوا على حفظ الموارد، وترسيخ روح المسؤولية تجاهها، بالترشيد في استخدامها وعدم هدرها والإسراف فيها، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «اقتصد في الوضوء ولو كنت على شاطئ نهر».

ومن المواد الضارة بالبيئة البلاستيك، الذي هو أحد أهم العوامل المساهمة في التلوث وتعريض الحياة البرية والبحرية للخطر، فهو غير قابل للتحلل بسهولة، ويحتاج إلى مئات السنين للتحلل، وكثير من الأحيان تستهلكه الحيوانات التي تعتقد أنه غذاء، ما يؤدي إلى الإضرار بها وموتها، وقد حرصت دولة الإمارات على خفض استخدام المواد البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة، للحد من التلوث البلاستيكي للبيئة، وفي هذا الصدد تمكنت إمارة أبوظبي من تجنب أكثر من 172 مليون كيس من أكياس التسوق البلاستيكية المستخدمة لمرة، وذلك بعد مرور عام واحد على بدء تطبيق حظر استخدام هذه الأكياس في إمارة أبوظبي، وذلك في إنجاز غير مسبوق للمحافظة على البيئة وضمان استدامتها، وسط تجاوب مجتمعي فعال.

إن البيئة نعمة عظيمة يتنعم بها أجيال الحاضر، والمحافظة عليها مسؤولية مشتركة، وواجب شرعي وأخلاقي وإنساني، لتبقى لأجيال المستقبل نظيفة زاخرة بالموارد والخيرات.

Email