السد الهندي وتعارض المصالح

ت + ت - الحجم الطبيعي

‏سقط هاتف مسؤول حكومي هندي في مياه السد أثناء التقاطه صورة شخصية له، فأصدر قراره بتجفيف خزانات المياه لاستعادة هاتفه، الذي زعم أنه يحمل معلومات حكومية حساسة.

لأول وهلة ظننت أن الأمر مجرد مزحة، أو مبالغات إعلامية، حتى تبين لي أن الخبر صحيح، حيث سارعت السلطات إلى تفريغ ملايين اللترات خارج منطقة السد، الأمر الذي استغرق ثلاثة أيام عمل لاستعادة هاتف راجيش فيشواس! غير أن السلطات الهندية قررت إيقافه عن العمل ووجهت إليه تهمة إساءة استخدام منصبه الأحد الماضي بحسب «بي بي سي».

‏وقد استنفر بالفعل الغواصون المحليون للبحث عن هاتف (السامسونج) لمفتش الطعام وقيمته 1200 دولار في ولاية تشاتيسجاره وسط الهند من دون جدوى. فدفع ‫ثمن‬ مضخة ديزل جلبت إلى الموقع. فنجح في إفراغ ما يكفي لري ستة كيلومترات مربعة من الأراضي الزراعية، وبعد جهد جهيد وجد هاتفه معطلاً وقد غمرته المياه!

‏هذه الحكاية تصور لنا قضية الخلاف حول ما يسمى «بتعارض المصالح». بمعنى آخر هناك منطقة رمادية عادة ما يساء فهمها أو تقديرها، فمن الناس من يرى أنها أعمال مشروعة في حين يرفضها آخرون ويعتبرونها اقتراباً من الدخول في دائرة الشبهات. في علم الإدارة يقصد بتعارض المصالح كل تعارض بين المصالح الشخصية والمصالح المهنية للمؤسسة أو الشركة أو الدولة، فلا يستقيم أن استغل الموارد العامة لمصالح شخصية.

وما حدث مع هذا المسؤول أنه اعتبر المياه الفائضة غير صالحة للاستعمال، حيث كانت جزءاً فائضاً من السد وأنه وجهها نحو ري المزروعات بعد الحصول على موافقات رسمية. في حين أن من قدموا الشكوى ضده يرون أنها هدر لمورد رئيسي في الحياة وهو الماء. ويمكن أن تتضح الصورة أكثر بعد ظهور نتائج تحقيق اللجان، فلا يمكن أن تعاقب شخصاً قبل التأكد من تعارض الفعل مع لائحة العمل أو قوانين البلد.

‏ومن المناطق الرمادية كل تصرف أو قرار لا يتقبله الناس أو العاملون باعتباره تعارضاً للمصالح لكنه غير منصوص عليه في اللوائح والقوانين. ولذلك تسارع الدول في سن قوانين عصرية تحدد بدقة طبيعة الأعمال التي تعتبر تعارضاً للمصالح. فمن باب العدالة ألا تعاقب شخصاً سوى بفعل يعاقب عليه القانون. فالعرف شيء والقانون واللائحة شيء آخر.

ومن أمثلة تعارض المصالح الصريحة، أن طبيباً يصف دواءً غير ضروري لمريض باعتباره مهماً ثم نكتشف أنه يتقاضى نسبة منه، أو أن صحافياً يبالغ في مدح شركة يمتلك أسهماً فيها، أو أن عضواً بمجلس إدارة شركة عامة يصوت لصالح التعاقد مع شركة يمتلكها (من دون إفصاح).

‏هناك دائماً مخرج من مأزق تعارض المصالح. ففي بعض الأحيان يدخل معنا عضو جديد في مجلس إدارة شركة مدرجة في سوق الأوراق المالية ثم يخبرنا بأن لديه عقداً تجارياً مستمراً مع الشركة نفسها ويكاد أن ينتهي. فنتخذ قراراً برفعه إلى الجمعية العمومية ليتخذ المساهمون قراراً بشأنه. على الأرجح سيحصل على قبول الجمعية العمومية بالاستمرار لقصر عمره وأنه وقع سابقاً، وربما ينوه المساهمون إلى عدم رغبتهم في تجديد العقد لسنوات مقبلة درءاً للوقوع في براثن التعارض.

وإذا لم يجد متخذ القرار سياسة ولا قانوناً لتعارض المصالح فإنه يسأل نفسه سؤالاً بديهياً، وهو: لو أعلنت بشفافية ذلك القرار أمام الملأ هل سيتهمني أحد أو يوجه إليّ نظرات الشك؟ إذا كانت الإجابة بالنفي، فليمضي قدماً لأنه أبعد ما يكون عن المنطقة الرمادية. غير أن هذا الأسلوب لا يحل المشكلة، فلابد من وجود لائحة تعارض مصالح، فضلاً عن قانون تفصيلي تسنه الدولة درءاً للمفاسد والتأويلات، فليس كل متخذ قرار يتحلى بالمهنية والأمانة اللازمة.

Email