هل تحلّق الـ«إف 16» في فضاء أوكرانيا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

التسليح الغربي لأوكرانيا يأخذ منحى متصاعداً، وفق تصاعد يبدأ بجس النبض ثم الهضم المتدرج للخبر المستغرب، وأخيراً تحويله إلى خطوة. بعد ضم شبه جزيرة القرم، وبموازاة العقوبات على روسيا، تحدثت المستشارة الألمانية في حينه، أنجيلا ميركل، عن تزويد الجيش الأوكراني بـ«خوذ». وفي الحرب الحالية كانت ألمانيا شديدة الحذر - خلافاً لدول أوروبية أخرى - تجاه تزويد أوكرانيا بالأسلحة، ثم أسهم الضغط الأمريكي المعلن في اتخاذ برلين قرار توريد دبابات لامبارد لأوكرانيا.

المسار نفسه تقريباً حصل مع دبابات أبرامز الأمريكية، ومن ثم منظومة الباتريوت للدفاع الجوي. وإذا كانت الأولى لم تصل أوكرانيا بسبب الصعوبات اللوجستية، حسبما أعلنت واشنطن، فإن الثانية وصلت منها منظومتان، تعرضت إحداهما للتدمير وبقيت واحدة.

الآن جاء دور طائرات «إف 16» التي تطالب بها كييف بإلحاح، وقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن وافق على تدريب الأوكرانيين على طائرات القتال من الجيل الرابع، بما في ذلك طائرات «إف 16». وقبل يوم واحد من هذا الإعلان، أبدى وزير الدفاع الدنماركي ترويلس لوند بولسن، استعداد بلاده لتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة طائرات «إف 16».

صحف غربية قالت نقلاً عن مصادرها إن تدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة «إف 16»، سيجرى في أوروبا وسيستغرق عدة أشهر، وقد يبدأ في الأسابيع المقبلة، لكن للعديد من الخبراء رأياً آخر يضع هذه الخطوة في مربع اللاواقعية من الناحية العملية. أحد هؤلاء مثلاً، إيرل راسموسن، وهو ضابط متقاعد بالجيش الأمريكي، يعتبر أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة يمكن أن تستفيد اقتصادياً من إمداد أوكرانيا بمقاتلات «إف 16»، إلا أن التداعيات السياسية المحتملة لتلك الخطوة قد تمنع البيت الأبيض من الإقدام عليها فعلياً، وبرأيه فإنه حتى إذا قررت إدارة بايدن تزويد كييف بطائرات «إف 16»، فمن غير المرجح أن تصل هذه الطائرات المقاتلة في الوقت المناسب، لأن هذه العملية ليست على تلك الدرجة من السهولة.

هذا معناه في قاموس العسكريين، أن الطيارين الأوكرانيين المعتادين على قيادة طائرات «ميغ» و«سوخوي» الروسية، لن يكون الأمر سهلاً عليهم عندما يتعلق بطائرات «إف 16» لأن تقنياتها مختلفة جذرياً، لدرجة أنه حتى الطيار المتمرس سيحتاج نحو ستة أشهر من التدريب لقيادة هذه الطائرة، أما الطيار ذو الخبرة المحدودة فإنه قد يحتاج عامين من التدريب، ولا يتوقف الأمر هنا، بل يأتي حديث ذو أهمية بالغة عن الصيانة ومتطلبات لوجستية أخرى عديدة.

ثمة عقبة أخرى تجعل العملية من الصعوبة بمكان، وهي اعتراض عدد كبير من الجمهوريين في الكونغرس على صرف مزيد من الأموال على أوكرانيا.

وما من شك فإن أي عدد من هذا النوع من الطائرات سينطوي على تكلفة إضافية من شأنها أن تنتقص من الموارد الأمريكية في الوقت الحالي، حيث تواجه أمريكا أزمة سداد الدين، وما يترتب عليها من تداعيات داخلياً وخارجياً.

وفي ظل قرار الولايات المتحدة عدم المشاركة بشكل مباشر في الحرب الأوكرانية، فإن الـ«إف 16» لن تجد فضاءها مفتوحاً نحو أوكرانيا، إلا إذا قررت أمريكا إرسال الطائرات مع الطيارين، ما يعني المشاركة المباشرة التي ستكون لها تداعيات خطيرة جداً، أقلها المواجهة المباشرة بين روسيا وأمريكا، وقد تتوسّع أكثر وتتصاعد أكثر باتجاه حرب عالمية ثالثة، وهذا باب لم تُظهر أية دولة رغبة في طرقه، لا في الغرب ولا في الشرق.

المفارقة في هذا الموضوع، أعني تسليح أوكرانيا وليس الـ«إف 16» فحسب، أن الطرف المندفع في التسليح هو وزارة الخارجية الأمريكية، بينما تبدو وزارة الدفاع «البنتاغون» أكثر تحفظاً وحذراً، إذ إن الممسكين بها خبراء عسكريون ولديهم حسابات أكثر حساسية في مجال الحرب والسلاح وميادين القتال ومديات الخطورة فيها. لذلك، وبانتظار تبلور مبادرات للسلام في أوكرانيا، وهذا ما تنشده شعوب الأرض، إذا أصبحت كلمة البنتاغون هي العليا في القيادة الأمريكية، فلن نرى طائرات «إف 16» ذاهبة إلى أوكرانيا.

 

* كاتب فلسطيني

Email