انتخابات تركيا.. تغيير مهما كانت النتائج

تشهد تركيا حدثاً غير مسبوق منذ وصول رجب طيب أردوغان إلى السلطة كرئيس سنة 2014، إذ يتحول الناخبون يوم 28 من هذا الشهر مرة ثانية إلى صناديق الاقتراع لقول كلمتهم الحاسمة في الجولة الثانية من الاستحقاق الرئاسي بين الرئيس الحالي ومرشح تحالف أحزاب المعارضة كمال كليجدار أوغلو.

فقد أعلنت اللجنة العليا للانتخابات التركية، الاثنين، أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستعقد في 28 مايو المقبل، وأن الرئيس الحالي للبلاد رجب طيب أردوغان يتقدم بنسبة 49.51 % مقابل 44.88 % لكليجدار أوغلو بعد فرز 99.9 % من الأصوات، فيما حصل سنان أوغان، النائب السابق لليمين المتطرف، على 5.17 % من الأصوات، مقابل نسبة ضئيلة لمحرم إنجه بلغت 0.44 %.

وأما فيما تعلق بالاستحقاق البرلماني فقد جاءت النتائج مؤكدة تقدم التحالف الموالي لأردوغان بـ321 مقعداً من أصل 600 مقعد، بينها 269 لحزب العدالة والتنمية (حزب أردوغان) بينما حصل تحالف المعارضة على 213 مقعداً.

الحدث الثاني غير المسبوق في تركيا هو نسبة المشاركة المرتفعة في الانتخابات والتي قاربت 90 في المائة من المرسّمين في القائمات الانتخابية، ويبدو من خلال هذه النسبة المرتفعة .

وكذلك من خلال نتائج الانتخابات المعلنة أن انتخابات تركيا الأحد الماضي، ومهما كانت نتيجة الجولة الثانية من الاستحقاق الرئاسي، ستكون علامة فارقة في حالة الانقسام العميق الذي أضحى عليه المجتمع التركي، وهو ما استدعى ويستدعي إحداث تغييرات عميقة في سياسات تركيا الداخلية والخارجية من أجل المحافظة على التماسك الداخلي، خصوصاً في ضوء أزمات اقتصادية عميقة ومتواترة.

من الواضح أن رجب طيب أردوغان قد يتّجه إلى تحقيق الفوز في الجولة الثانية، آخذاً في الاعتبار نتائج الانتخابات البرلمانية وكذلك نجاحه في قلب موازين القوى.

حيث وضعته جلّ استطلاعات الرأي في المرتبة الثانية وراء مرشح المعارضة، وأما العامل الثالث الذي يرجح كفة أردوغان فهو من جهة، عدم تجانس التحالف المعارض له ومن جهة ثانية، ما يؤكده الملاحظون من أنه سيصعب على التحالف المساند لمرشح المعارضة مزيد التعبئة في صفوف الناخبين، حيث كانت المراهنة من جانبهم على حسم الأمور في الجولة الأولى لصالحهم وهو ما لم يتحقق.

إن الرئيس التركي القادم ومهما كان اسمه سيكون في وضع يحتّم عليه إيجاد الحلول من أجل الحدّ من حالة الانقسام المجتمعي التي تهدد تماسكه حتى تتمكن تركيا من مجابهة تحديات الأزمات الاقتصادية الحادة .

وكذلك حتى تحافظ على سيادية قرارها الوطني بعيداً عن الضغوطات والإملاءات الخارجية، وهو ما يستدعي داخلياً انفتاح السلطة القادمة على مختلف فئات المجتمع التركي واعتبار المسألة الديمقراطية أساسية لرأب الصدع وتحقيق تماسك المجتمع.

وأما العامل الثاني الذي سيساعد تركيا على تجاوز حالة الانقسام، فهو ما يراه المراقبون من ضرورة انتهاج تركيا لسياسة خارجية تقوم على توازن مصالح الدول في المنطقة.

فقد بدأ الوعي يكبر لدى تركيا القوة الإقليمية، بأن مصالحها مع هذه الدول، تركيا فهمت أيضاً أهمية أن ربط علاقات شراكة وتعاون مع دول المنطقة من شروطه التعاطي مع الدول بعيداً عن منطق الجماعات والأحزاب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وهو ما يبدو أن رجب طيب أردوغان بدأ في تنفيذه بخطى بطيئة ولكنها ثابتة فيما يبدو.

فقد عمدت تركيا إلى فكّ ارتباطها مع جماعات «الإخوان» المصرية تمهيداً لفكّ ارتباط شامل مع حركات «الإخوان» والإسلام السياسي عموماً، بما قد يسهّل نزع فتيل الأزمات في ليبيا وسوريا وتونس ويمهد الطريق لتغيير إيجابي في العلاقات التركية الإقليمية.

وهو ما يُفهم أيضاً من التطور الكبير في العلاقات التجارية مع بعض هذه الدول وكذلك في الإرادة البيّنة لتحسين العلاقات مع مجمل دول الجوار، وخصوصاً مصر ودول الخليج العربي.

إن الانتخابات التركية جرت وتجري في ظروف إقليمية ودولية معقدة وحاملة لمؤشرات عدة على تغيرات جيوسياسية مهمة وتحولات كبيرة في سياسة المحاور بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من جهة، والصين وروسيا وبعض القوى الإقليمية الأخرى من الجهة المقابلة، وهي تغييرات وتحولات من الواضح أن القاعدة المرجع فيها هي مصالح الأوطان، وهو ما استوعبته بالكامل دول المنطقة ورسمت سياستها الخارجية على أساسه.

* كاتب تونسي