السرد الاستراتيجي للمؤسس «علم ينتفع به»

ت + ت - الحجم الطبيعي

رسم لنا الأب المؤسس خطاً مستقيماً لمستقبلنا، شق طريقه من تطويع الصحراء، إلى بناء دولة وطنية متينة وذات منزلة مرموقة إقليمياً وعالمياً، أبت إلاّ أن تكون أساس الجسر الموصل للمريخ، ومنه إلى أبعد الحدود إن شاء الله. فكيف لنا أن نكون في مستوى طموحاته؟

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». وأما عن الأولى والأخيرة، فعبارة «زايد الخير» ترفرف عالياً في جميع بقاع العالم، وعبارة «خير خلف لخير سلف» واقع نحياه ونحمد الله ونشكره أن من علينا به. وأما الوسطى - علم ينتفع به - فهي على عاتقنا جميعاً، فمن واجبنا الاستفادة قدر المستطاع من ممارسات الشيخ زايد، فهي تمثل بالإجماع مصدراً ثميناً للحكم والخبرة.

فيمكن للعلماء والمهتمين بالسياسة والقيادة الاستفادة من زعيم فذ ورئيس ملهم، علمنا: إن كثيراً من الناس يفهمون أن السياسة هي من اختصاص الحكومة ولكن السياسة هي ممارسة يومية يقوم بها كل كائن حي، فراعي الإبل لديه سياسة لرعاية إبله، وكذلك راعي الصيد في البحر الذي يعرف الوقت الذي يهب فيه عليه سهيل ويتمكن من تحديد المكان الذي يصطاد منه كما يعرف الوقت الذي تهب فيه عليه رياح الشمال ويعرف كيف يرتاح ومتى يصطاد وكيف يحضر صيده للشاري، وكذلك راعي الذهب والفضة وراعي الزراعة. فقد وضّح لنا مفهوم القيادة الموقفية، النظام النموذجي الرائج في القيادة لكن بنكهة استراتيجية.

كما لأهل الاقتصاد الاقتباس من خبراته في إلهام وتحفيز التنمية الاقتصادية التي نجني ثمارها حالياً، حيث فسر بأسلوب ميسر أساس توازن العرض والطلب في الاقتصاد، وعززه بضمان تحقيق التوافق بين الأهداف المرجوة والاتجاهات الاقتصادية.

ولما نجد أن الجميع يؤكد على أن المرأة هي نصف المجتمع، يتخطى ذلك الشيخ زايد ببعد استراتيجي مبدع، فيبين: «إن المرأة ليست فقط نصف المجتمع من الناحية العددية، بل هي كذلك من حيث مشاركتها في مسؤولية تهيئة الأجيال الصاعدة وتربيتها تربية سليمة متكاملة». وفي هذا قدوة للمهتمين بالحركات النسوية وحقوق الإنسان.

ولا يختلف اثنان على أن العلماء والمهتمين بالتربية والتعليم يمكنهم استثمار ممارسات زايد حول كيفية تطوير النظام التعليمي، وخصوصاً الجانب الإستراتيجي، الذي ركز  فيه على تطوير ما بعد التعليم الأكاديمي، وضرورة توفير التدريب المهني البعدي الذي يتوافق مع احتياجات سوق العمل المتغير، فقد وضّح: إن العمل واكتساب الخبرة الحقيقية والتدرج خطوة خطوة في ميدان العمل من بداية السلم الوظيفي، هو الطريق الصحيح للنجاح، وإنه ليس من المنطقي أن يبدأ الخريج الشاب حياته العملية مديراً دون أن تكون لديه أي خبرة في مجال عمله، ونؤكد أهمية التحاق الشباب بالدورات التدريبية في مجالات عملهم، لاكتساب أكبر قدر من الخبرة والممارسة العملية سعيا نحو الأفضل.

يمكنني الاسترسال، في تبيان مدى إمكانية الاستفادة من ممارسات مسيرة زايد الحافلة بالعطاء والكفاح، التي شملت جميع المجالات بما في ذلك الزراعة والبيئة، العلاقات الدولية، الثقافة والتربية، الفنون والرياضة وغيره، وأرست أسساً راسخة لنمو الدولة الوطنية وتمكين أبنائها. لكن ما يجب الوقوف عنده، هو المسؤولية الملقاة علينا جميعا، وتُحتم تخليدنا ذكرى الأب زايد بالنهل من الرصيد المعرفي الذي خلفه لنا، كل في مجاله، وتطبيقه في حياتنا اليومية، فنرتقي به، ونثقل بذلك ميزان حسنات الأب المؤسس، تحت إشراف ورعاية القوة الموجهة وراعي مبادرات التميز رئيس الدولة محمد بن زايد أطال الله في عمره.

Email