السرد الاستراتيجي للمؤسس «التحليل البيئي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثل التحليل البيئي العمود الفقري لعلم التخطيط الإستراتيجي، فإذا صلح كان البنيان كله قويماً. إذ يعد التشخيص الأساس لحالة المؤسسة، ويمكن من تحديد نوع العلاج أو تطوير الذات المطلوب.

سواء بصيانتها أو الحفاظ عليها أو تطويرها. وبالمفهوم الاستراتيجي، فالتحليل البيئي يعيننا على اتخاذ الخيارات الاستراتيجية الصائبة، مثل النمو والتوسع، أو الثبات والمعالجة أو الانكماش أو الاندماج.

ومن بين الأدوات المسخرة في التحليل البيئي، تأتي أداة «سوات»، التي تمكننا من التركيز على 4 خانات نفحص من خلالها نقاط الضعف والقوة في البيئة الداخلية التي نتحكم فيها بشكل كلي، والتهديدات والفرص في البيئة الخارجية التي لا يمكن السيطرة عليها بشكل كامل. وفهم هذه النقاط يعزز تكيفنا معها، وتحديد غاياتنا بفعالية.

لمّا نُسقط هذه المفاهيم العلمية على السرد الاستراتيجي الذي مارسه المؤسس الوالد الشيخ زايد، نجد التطابق الضمني في التقانات العملية، لكن بحنكة المبدع والصانع الملم.

فالمختص في هذا المجال، عندما يحاول مواءمة العلوم الاستراتيجية الحديثة مع ممارسات زايد، يصير في انبهار وحيرة، فبعض المؤثرات التي تعتبر بالنسبة له من البيئة الخارجية، هي ضمن خانة أخرى بالنسبة للشيخ زايد، خانة تتمثل في نظرة قومية لا يراها إلا العظماء، الذين لا يجود بهم التاريخ إلا نادراً، فشؤون العرب والمسلمين موضع اهتمام شخصي.

وهذا شأن القادة، يتقنون التوازن بين المسؤولية والحدود الجغرافية المرسومة، فهم لا يمتثلون إلا لما يمليه ضميرهم الحي، ففكرهم وهمهم يشمل كل من يخالطهم الدين والعروبة، بل الإنسانية جمعاء.

وهذا ما نلمسه في سرد الشيخ زايد: «الإمارات أصبحت اليوم بارزة المعالم، ويستفاد منها في العالم العربي والإسلامي، وهو ما يتطلب بذل المزيد لتوفير المسرة للشعب والأمة، ليس على الصعيد المادي فحسب، وإنما على صعيد العمل المعنوي، الذي يزيد من التآخي والتآزر والقوة والمواقف التي تؤدي إلى تقدير المجتمع الدولي لنا بقوتنا وتآخينا وتآزرنا، لأنه بدون ذلك لا يمكن للعالم أن يقدرنا كأمة واحدة».

ولا يجد الشيخ زايد أي مانع في قول: «لقد طلبنا من خبراء البلدان الشقيقة والصديقة أن يعطوا تصور حلول لموضوعات السكن والصحة والتعليم والكهرباء والماء، ولكافة الأشياء التي يحتاجها المواطن»، ويشرك الآخر في التحليل بكل أريحية، ولا يرى بين جيرانه مجالاً للمجاملة والحرج.

فهو يؤكد «لا شك أنكم في صورة الوضع الداخلي والتطورات الخارجية، والجميع يعلم أن دولة الإمارات منذ أن قامت، ليست لها خصومة مع أحد»، ويحلل التاريخ والحاضر ويبني عليهما المستقبل، فيقول: «لقد واجه أسلافنا بلا شك في الماضي تحديات وقوى معادية، واستطاعوا أن يتغلبوا عليها، وفي الوقت الحاضر، فإن القوى التي نواجهها قوى ضخمة، وذلك يستدعي منا جميعاً الحرص على كياننا بحد السيف، للحفاظ على ماضينا الذي يشير بالمجد والفخر، وهذه هي مسؤولية يتحملها الآن الملوك والرؤساء العرب، وعلى كل منهم أن يصلح بينه وبين أخيه، حتى يقوى العرب».

ما نريد تسليط الضوء عليه في السرد الاستراتيجي لزايد، ويجب الاستفادة منه كممارسة متميزة ناجحة، أن التحليل البيئي يجب أن ينطلق من منظور يتبني تحليل إدارة الشراكات الخارجية، بناء على المنفعة المشتركة، ثم إلى الداخل، فمتى تم تأمين الخارج، توفرت الفرص لترميم وتحسين الشأن الداخلي.

وهذا المفهوم أصبح يشيع في وقتنا الحاضر، خصوصاً بعد الأزمات الدولية التي واجهتها المجتمعات والمؤسسات، فقد أصبح التركيز على التحالفات وبناء أنظمة بيئة للأعمال «الإيكوسيستم»، حيث تتضامن مجموعة من الجهات الفاعلة «المؤسسات والموردين والعملاء والمساهمين»، من مختلف مجالات نشاط معين متداخل، ويحللون الأوضاع الاستراتيجية المشتركة، ما يسهم بشكل مباشر في تخفيض التكاليف، وتحسين الخدمات، والتصدي للتحديات.

Email