قيم حياتية مستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يستغني الإنسان في حياته عن قيم مضيئة، يستنير بها، وهو يسير في دروب الحياة، بما فيها من حلو أو مر، ومن مواقف متنوعة كثيرة تواجهه، على مختلف الأصعدة، سواء في نطاق أسرته، أو مع أقاربه وأرحامه، أو مع جيرانه وأصدقائه، أو في عمله ووظيفته، أو في أي مكان كان في مجتمعه، وقبل ذلك كله مع نفسه التي بين جنبيه، فيحتاج إلى سلامة القلب، وجمال القول، ونُبل التصرف والسلوك، كما يحتاج إلى سعادة النفس، وراحة البال، وطمأنينة الروح.

ومن أهم هذه القيم أن يكون مع الله تعالى قلباً وقالباً، يلجأ إليه سبحانه، ويستعين به، ويتوكل عليه، ويفوض إليه أموره، إيماناً بأن كل ما في هذا الكون تحت مشيئة الله تعالى، وكل شيء خاضع لأمره، وبيده تعالى مفاتيح الأمور، وخزائن السماوات والأرض، كما قال تعالى: {ولله خزائن السماوات والأرض}، أي بيده كلُّ شيء، وإليه كلُّ أمر، فلا يستطيع أحدٌ أن يعطي أحداً شيئاً أو يمنع عنه شيئاً إلا بمشيئته سبحانه، فإذا لجأ الإنسان إلى ربه فقد لجأ إلى من يوفقه ويكفيه، قال جل في علاه: {ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه}، أي كافيه في الدنيا والآخرة، يرزقه، ويعافيه، ويعطيه ما يؤمله، ويكفيه ما يُهمُّه من أمر دينه ودنياه.

ومن ثمرات ذلك الإيمان بالقضاء والقدر، الذي يجعل المؤمن في يقين بأنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنَّ فيما يُجريه الله تعالى من الأقدار حِكَماً وألطافاً، فيصبر إن أصابته ضراء، ويشكر إن أصابته سراء، ويرى نعم الله عليه بعين البصيرة، فيزداد حمداً وشكراً لله تعالى، وتقديراً لما هو فيه من الخير، وهذا من أعظم أبواب تحصيل المزيد.

ومن القيم الحياتية المستدامة التي لا غنى للإنسان عنها الوسطية والاعتدال والتوازن في الأمور كلها، فلا يميل الإنسان نحو الإفراط أو التفريط، لا في تفكيره ولا في مشاعره ولا في سلوكه، ولا في تدينه وعباداته، اتباعاً لقول الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}، ومن هذا المنطلق يحرص المؤمن أن يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلربّه عليه حق، ولنفسه عليه حق، وللناس عليه حقوق، وللعالَم والبيئة التي يعيش فيها حقوق كذلك، فلا يسيء إليها بإسراف ولا تبذير ولا هدر لمواردها ولا تلويث لها، بل يحافظ على ضمان استقرارها وامتداد وجودها لأبنائه وأحفاده والأجيال القادمة بإذن الله.

ومن القيم الحياتية المهمة النابعة عن علاقة الإنسان بمن حوله المحافظة على تماسك أسرته، وتلاحم مجتمعه، ورفعة وطنه، فيكون مع أعضاء الأسرة والمجتمع كالبنيان المرصوص، ويكون مع قيادته ووطنه جندياً مخلصاً، حباً ووفاءً، وولاءً وانتماءً، وبذلاً وعطاءً، في أي موقع كان، وتحت أي ظرف كان، ويتحلى بالقدوة الحسنة في تعامله مع أسرته ومجتمعه ووطنه، فتجده مع زوجته خير رفيق، ومع أبنائه أقرب صديق، ومع أقاربه وأرحامه أوفى قريب، وهكذا في سائر نطاق تعامله مع مختلف شرائح المجتمع، الابتسامة لا تفارقه، والكلمة الطيبة تلازمه، ولا يفعل ذلك عن تصنُّع وتكلُّف، فما كان عن ذلك لم يدم، بل يجعل ذلك سجية مستدامة له، مستحضراً ما في ذلك من عظيم الثواب من الله تعالى، الذي حثَّ على هذه الخصال، ورتَّب عليها الثواب الوفير، فيتعبَّد الإنسان ربَّه بتعويد نفسه على هذه الأطباع، حتى تصبح جزءاً من جوهره وذاته، فلا تتقلب بتقلب الأمزجة والمصالح، فينحدر تعامله مع الآخرين إذا تغيَّر مزاجه أو تبدَّلت مصالحه، وقد قيل: هي النفس ‌ما ‌عوَّدتَها ‌تتعوَّد، أي: ما عودَّتها عليه أولاً يصير لها طبعاً آخِراً، وإذا كان الله تعالى أمر بالتعامل الحسن مع من يسيء إليك لَعَلَّ العداوة تنقلب محبة، فكيف بمن لم يسئ إليك، وكيف من باب أولى وأولى بمن أحسن إليك، وبمثل هذا التعامل يزداد المجتمع قوة وتلاحماً، وتعاوناً وازدهاراً.

إن المضي في الحياة بسعادة وهناء يقتضي من الإنسان التحلي بالقيم الإيجابية التي تمده بالأمل والتفاؤل والطموح والقناعة والرضا والإيجابية في الأمور كلها، وتدفعه للانطلاق بكل تميز في ما ينفعه في دينه ودنياه.

Email