حينما يُفسد اختلاف الرأي قضايا الود

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أعوام عدة وصلتني دعوة من إحدى الفرق المسرحية، وتحديداً من أحد الأصدقاء الذي كان حينها هو مخرج العمل نفسه، لمتابعة عرض مسرحي في إحدى قاعات العرض الرئيسية، وللأمانة كان عرضاً مخيباً للآمال، ويمثل ردة فنية كبيرة سواء لهذا المخرج، أم للكثيرين من أسرة العمل، ناهيك عن تبنيه من قبل أحد المسارح العريقة، التي سبق لها إنتاج أعمال لا تغيب عن ذاكرة الكثيرين من متابعي المسرح المحلي.

وفي اليوم التالي للعرض بادرت بكتابة قراءة نقدية عن العمل، مضمناً إياه رأيي مشفوعاً بالأدلة الداعمة، وتساؤلات موجهة للجنة المسؤولة عن اختيار مشاريع العروض التي يتم إنتاجها من قبل إدارة هذا المسرح الذي يضم العديد من الأسماء المخضرمة، والتي هي قطعاً قادرة على الوقوف على النص والمخرج والفريق الأنسب للعمل الدرامي المسرحي الذي تختاره.

كل ما سبق قد يكون اعتيادياً في التناول الإعلامي عموماً، لكن ما حدث عقب ذلك هو الغضب الكبير الذي صادفه ذلك الرأي، وقتها، وكان التبرير الذي ساقه المخرج «الصديق» وقتها، هو الطامة الكبرى التي تختزل اختلاط المشهد في أذهان البعض، بين المهمة الدعائية، والرأي النقدي، أو الدور الإعلامي، وذلك حينما تواصل معي متعجباً: كنت أتوقع مساندتك، أنت صديق.

أسوق ما سبق كمقدمة، وإن طالت، من أجل التذكير بمقولة نحفظها جميعاً، لكن يبدو أننا بحاجة إلى استدعائها، ونحن نتابع الكثير من الكتابات والآراء النقدية المرتبطة بالمسلسلات المعروضة خلال الشهر الجاري، والتي اصطلح على تسميتها «دراما رمضان»، وهي أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، المقولة التي يتمسك بها الإعلامي والناقد، وكُتّاب أعمدة الرأي، ويسعى الناس في حياتهم اليومية إلى تطبيقها.

لكن هذا السعي، وذاك التمسك لا يكلل أي منهما بالنجاح في كثير من المواقف، حيث بات يقابل بكثير من التشكيك على العديد من المستويات، وأضحى الرأي المخالف يفسد للود الكثير من القضايا، ويبدل الصداقات إلى نقيضها أحياناً.

في المقابل أصبحنا نرى انتشاراً كبيراً للمجاملات على حساب النقد الموضوعي، الذي يعتمد على معطيات واضحة، وهذا تحديداً الشق الأكثر خطورة، من فساد الود لدى بعض المختلفين في الرأي، حيث يصبح المحتوى مجرد بوق دعاية مضلل، وغير موثوق.

هذا النموذج الأخير من المحتوى يضيع الكثير من الحقوق والثوابت الأصيلة، سواء ارتبط الأمر بمسلسلات الشهر الفضيل، أو سواها، أولها حقوق القارئ نفسه، وثقته فيما يُقدم إليه وليس آخرها ثوابت الضمير المهني المرتبطة بصناعة المحتوى عموماً، والتي يصعب أن تستعيد اتزانها وتوازنها إذا ما اهتزت، أو اختلت.

Email