قبسات

دعاء الصائم مُستَجَابٌ

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنه رمضان؛ ذلكم الشهر الذي يبقى في أذهاننا طوال العام، ويتذكر نفحاته الإيمانية قاطبة الأنام..

شهر الدعاء والإجابة والتوبة والقبول.. يجود فيه الله تعالى على عباده الصائمين بعطايا جزيلة، وأَفضالٍ وفيرة..

وأَعظم هذه الهِبَات؛ الدعوة المستجابة.. يستغلُّها العاقلون خير استغلال، ويوظفُها العالِمُون أَحسن توظيف..

تخرج أَدعيتهم عبر نبضات قلوبهم، يُظهرون فيها فقرهم إلى ربهم الغني، وحاجتهم إلى كرمه وسخائه، فهو الذي ناداهم أَن يدعوه، وطلب منهم أَن يسأَلوه، حين قال سبحانه: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)، [الأعراف:55]. قال الطبري: أي: ادعوا ربَّكم وحده، فأخْلِصُوا له الدعاء، (تَضَرُّعَاً) أي: تذلُّلا واستكانة، (وَخُفْيَةً) أي: بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين منكم.

أَجَلْ؛ إِنَّ الصائم مُستجاب الدعاء، لأمور عديدة، منها:
الأول: أن الصائم في فريضة؛ والْمُتقَرِّب بالفريضة أحبّ إلى الله وأقرب. وكان السلف يستحبّون أن يكون الدعاء في الفريضة.

فإذا دعا الصائم حال صيامه كان أحرى للإجابة؛ لأنه في فريضة.

الثاني: أن العامل يُعْطَى أجْرَه عند نهاية عَمَلِه؛ فالصائم يَنتهي يَومه بإفطاره عند الغروب، فَنَاسَب أن تكون له دعوة مُستجابة عند فِطْرِه.

الثالث: أن الصيام يُضيِّق مجاري الشيطان، فتسمو النفس وتَخْلص فـتُخْلِص، فيكون أقرب إلى الإجابة.

الرابع: شِدّة الافتقار مع الجوع والعطش، إذ إِن الشِّبَع يَبْعَث عادَة على الغَفْلَة والأَشَر.

قال سَهل بن عبد الله: البِطْنَة أصل الغَفْلَة.

الخامس: أن الصائم منكسر القلب، ضعيف النفس، ذلّ جموحه، وانكسر طموحه، واقترب من ربه، وأطاع مولاه؛ ترك الطعام والشراب خيفةً من الملك الوهّاب، وكفّ عن الشهوات طاعةً لربّ الأرض والسماوات.

أَجَلْ، إِن الدعاءَ أكرمُ شيءٍ على الله، فكما في الحديث الحسَن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ»، وتذكّر وأنت تدعو بأنك تدعو الكريم سبحانه، ففي الحديث الصحيح عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ ربَّكُم تبارك وتعالى حييُّ كَرِيمٌ، يستَحي مِنْ عبدهِ إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفراً».

والحاصل: أن دعوة الصائم في كل وقته لا تُرَدُّ بإذن الله؛ إلَّا أنَّ استجابتَها متأَكِّدَة إذا وقعت وقت صيامه.

Email