قبسات

فاسـتبقوا الخيرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقصد بالاستباق: المبادرة والمسارعة، والأمر بالاستباق يعني المنافسة في ذلك، وألا يقنع المسلم بمجرد الفعل حتى يكون مسارعاً فيه، منافساً لغيره في الإتيان به، حتى يكون في ذلك من السابقين.

وفعل الخيرات في ديننا الحنيف له سبله المتنوعة، وطرقه المتشعبة، فلا يتوقف عند الزكوات والصدقات، بل يتعداها إلى كل قول حسن، وكل فعل طيب.

إن المبادرة إلى الخير دليل على يقين المؤمن بربه، واعتقاده بأن هناك حساباً يوم القيامة، قال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

كما أنه دليل على يقينه بأن الرزق بيد الله وحده، وأن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده: يقول الرسول الكريم ــ صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد اللَّه عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد للَّه إلا رفعه اللَّه».

وقد وصف الله المؤمنين الخالصين بأنهم هم الذين يسارعون في الخيرات، طلباً للصلاح والفلاح، قال تعالى: (وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ).

فلا غرو أن أمر الله سبحانه بالمسارعة في الخير في غير ما آية، وقد بوأ المسارع القدر العلي، والنور السني، وذاك مشعر بنفاسة التحصيل.

وأثنى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ــ على الأشعريين من أهل اليمن بأنهم كانوا يتعاونون ويسابقون في الخير،

ويطبقون مبدأ التكافل بين المسلمين تطبيقاً عملياً، فعن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ: إن الأشعريين إِذا أرملوا في الغزو، أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم».

ولقد كان النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يحث أمّته على المسارعة إلى الأعمال الصالحة؛ فإن المؤمن لا يدري ما يعرض له من مرض، أو فتنة، أو أجل. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا».

وتتأكد المسارعة في مواسم الخير كرمضان، الذي تهب فيه نفحات الله تعالى، فيتنافس فيه الصالحون في الطاعات والقربات، لأنه موسم للصفاء والصلة وترك التشاحن والتدابر والتباغض، وميدان رحب للتسابق في عمل الصالحات.

وأخيراً: فإن المسارعة في الخير مبادرة للبر، وعجلة محمودة إليه، يقودها حب لله، وخوف منه، ورجاء فيه. فبادر ــ أيها القارئ - إلى الخيرات، وسارع إلى الصالحات، تنل البركات، وتستجاب منك الدعوات، وتفرج لك الكربات، وتحظَ بالمرضات، من رب البريات.

* «واعظ أول» في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

 

Email