يوم في «الناتو» ليس ككل الأيام

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن القول إن الرابع من هذا الشهر كان يوماً مختلفاً في تاريخ حلف الناتو، الذي اشتهر منذ نشأنه بكلمة واحدة من ستة حروف هي: «الناتو».

ففي هذا اليوم التحقت فنلندا بالحلف وصارت عضواً فيه، وبالتحاقها أصبح الحلف 31 دولة وصار أقوى مما كان بالتأكيد، لأن حاصل جمع ما تمثله 30 دولة من قوة، يظل يختلف دون شك عن حاصل جمع ما تمثله 31 دولة من قوة عسكرية بالذات.

ولم يكن اختيار هذا اليوم على وجه الخصوص من فراغ، إنما كان عن قصد لأنه اليوم الذي تشكل فيه الحلف عام 1949.

والذين يتابعون مراحل تطور الحرب في أوكرانيا منذ اشتعالها في 24 فبراير قبل الماضي، يعرفون أن موضوع التحاق فنلندا بالحلف جرى طرحه منذ اشتعال الحرب، ويعرفون أيضاً أن الفنلنديين كانوا يستعجلون الالتحاق على مدى الفترة التي دامت فيها هذه الحرب، لولا أن الأمر كان لا بد أن يمضي في مساره المعتاد وأن يستغرق وقته الطبيعي.

وليست فنلندا وحدها التي كانت تستعجل القرار، ولكن السويد كانت تستعجله معها، لأن الدولتين كانتا معاً في طلب الانضمام إلى «الناتو». والمشكلة كانت أن طلب انضمامهما كان يواجه معارضة من دولتين في الحلف هما المجر وتركيا، وكانت كل دولة منهما لديها أسبابها، وكانت تركيا تعارض انضمام السويد أكثر مما تعارض فنلندا، والسبب أن السويد تستضيف عناصر كردية تراهم أنقرة من بين العناصر المناوئة لها، ولهذا سبقت فنلندا واكتسبت العضوية.. ولا تزال السويد تنتظر.

ولكن الضغوط التي تقع على الأتراك من جانب أعضاء الحلف، ومن جانب الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، سوف تؤدي إلى خضوع تركيا في النهاية، وسرعان ما سوف تدخل السويد إلى الحلف لتجلس إلى حوار فنلندا على طاولة واحدة.

وليس سراً أن انضمام فنلندا يمثل مرحلة من مراحل الصراع بين روسيا من ناحية، والولايات المتحدة وأوروبا وحلفائهما من ناحية ثانية.. فكلما اتخذ طرف منهما خطوة تصعيدية في الصراع بينهما، سارع الطرف الآخر إلى اتخاذ خطوة في المقابل.

وكانت روسيا بادرت فأعلنت على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة، وكان إقدام بوتين على اتخاذ هذا القرار تصعيداً في المواجهة المستمرة بين موسكو وبين بقية عواصم الغرب منذ بدء الحرب.. ولأن بيلاروسيا مجاورة لدول أوروبية، ولأن هذه الدول أعضاء في الاتحاد الأوربي وفي «الناتو» معاً، فإن قرار نشر مثل هذه الأسلحة من جانب الرئيس الروسي، كان لا بد أن يستفز الأوروبيين ويجعلهم يتخذون قراراً معاكساً.

وكان هذا القرار المعاكس هو ضم فنلندا إلى الناتو وقبول عضويتها، وإذا تطلع أحد إلى الخريطة فسوف يكتشف أن فنلندا على جوار مباشر مع روسيا، وأن انضمامها يعني أن حدود الحلف مع روسيا طالت أكثر، فإذا عرفنا أن طول الحدود الروسية الفنلندية تصل إلى 1300 كيلو متر، أدركنا إلى أي حد يمثل هذا الانضمام هاجساً لا يهدأ لدى الروس.

ورغم تعدد المبادرات التي انطلقت لوقف هذه الحرب، من مبادرة البابا فرنسيس الأول، بابا الڤاتيكان، إلى مبادرة الرئيس الروسي نفسه، إلى مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلا أنها كلها لم تجد من يتبناها على الجانبين المتصارعين، وساء حظها جميعاً كما لم يحدث أن ساء مع مبادرة دولية مماثلة.

ومن هذا التصعيد المتبادل يتبين لنا أن الطرفين ينخرطان في صراعهما وفق نظرية حافة الهاوية المعروفة، وهي نظرية تجعل كل طرف في هذه الحرب أو في غيرها، يذهب إلى حافة الهاوية ثم يحاذر أن يقع فيها.. ولكن المشكلة هي في مدى قدرة كل طرف من طرفي الحرب الروسية الأوكرانية على ألا يقع في الهاوية، لا لشيء، إلا لأننا نتكلم عن «حافة».. وبكل ما توحي به هذه الكلمة من المعاني.

 

* كاتب صحافي مصري

Email