أهدافنا في شهر رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقبل شهر رمضان المبارك، بما يحمله من فضائل ومزايا، فهو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وتضاعف الحسنات، وتُقبل النفوس على طاعة الله تعالى بهمة عالية، وتتنافس في ميادين الخير والبر والإحسان.

ولذلك فإن هذا الشهر فرصة عظيمة للإنسان ليرتقي بنفسه، ويُحدث تغييراً إيجابياً في حياته، حيث تتوفر فيه الدواعي والأسباب التي تعين على ذلك، والعاقل يغتنم الفرص، لأنه يطمح دائماً للأفضل، وخاصة في سيره إلى الله تعالى، بما ينعكس عليه ارتقاءً في العبادات والأخلاق والسلوك وطريقة التفكير والتعاطي مع الحياة تفاؤلاً وأملاً ورضىً وصبراً وتوكلاً وتحرياً لما يحبه الله ويرضاه في سائر الأمور والشؤون.

ويجدر بالإنسان في بداية هذا الشهر أن يجلس مع نفسه جلسة محاسبة، ويتأمل في مسيرته المنصرمة، ويتلمَّس مواضع النقص والقصور عنده، فيسعى إلى علاجها ما استطاع، ويستفيد من شهر رمضان المبارك لإحداث فرق نوعي في حياته، ويضع لنفسه الأهداف التي تعينه على ذلك.

ولا شك بأن الناس يختلفون في تحديد أهدافهم وأولوياتهم، فمن كان عنده خلل في أداء الصلوات الخمس كان من أعظم أهدافه أن يعالج نفسه في هذا الباب، ويغتنم شهر رمضان في تجديد علاقته مع الصلاة، سواء على مستوى أدائها الظاهري من جهة الوقت وسائر الشروط والأركان والواجبات والسنن، أو على المستوى الوجداني بالخشوع وحسن التدبر والتفكر والتأثر، بما ينعكس عليه راحةً وسعادةً وسكينةً واطمئناناً، فإذا كانت نفسه تُقبل على الصلاة في رمضان بهمة وخشوع حرص على أن يستمر ذلك معه بعد رمضان، ليعيش حقيقة الصلاة جسداً وروحاً، وإذا كان مقصراً في الصلوات النوافل اغتنم أوقات رمضان لتعويد نفسه على الاستزادة منها، وخاصة صلاة التراويح، فإذا تعودت نفسه على ذلك استطاع أن يعودها على نوافل الصلوات بعد رمضان، وخاصة قيام الليل، ولو بركعتين يسيرتين، فإنَّ أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل، فإذا استفاد من رمضان في إحداث مثل هذا التغيير في حياته وخطَّط لذلك منذ بداية رمضان خرج بفائدة عظيمة.

ومن أهم الأهداف كذلك تقوية العلاقة بالقرآن الكريم، فشهر رمضان شهر القرآن، حيث تُقبل النفوس على تلاوته وتدبره، فيغتنم المسلم ذلك، ويجدد علاقته مع القرآن الكريم، ويحرص على أن يكون لاجتهاده هذا بصمة مستدامة بعد رمضان، بحيث يكون له ورد من القرآن يومياً يواظب عليه، ولو كان مقداراً يسيراً، ويجعل ذلك على رأس أهدافه، فإذا كان حاله مع القرآن بعد رمضان أفضل مما كان عليه قبله فقد حقق إنجازاً كبيراً، وشهر رمضان فرصة عظيمة لتعزيز هذا الجانب.

ومن أعظم الأهداف التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم، وخاصة في شهر رمضان، تحقيق تقوى الله تعالى، بأن يكون أقرب ما يكون إلى طاعته، وأبعد ما يكون عن معصيته، وإذا سولت له نفسه خطيئة تذكر حرمة هذا الشهر، فابتعد عنها، وقد بين الله تعالى هذا الهدف العظيم في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فالصائم يمتنع عن سائر المفطرات في نهار رمضان، احتساباً للأجر من الله تعالى، ويحافظ على صومه في خلواته، حيث لا يراه أحد، ويبتعد ما أمكنه عن المحرمات، مراعاة لحرمة هذا الشهر، ويحرص على اغتنام هذه الحال الإيمانية، فيجعل من أهدافه أن تسمو نفسه في مراتب التقوى طيلة أيام رمضان، حتى تستمر على ذلك وتستعظم الذنوب والمعاصي بعد رمضان كما استعظمتها حال الصيام وفي أوقات رمضان.

ومن الأهداف المهمة كذلك في رمضان تجديد العلاقة مع الناس، وخاصة الأقارب والأرحام، بالبر بهم، والإحسان إليهم، والتصافي معهم، والعفو عنهم، وانتقاء الكلمة الطيبة في مخاطبتهم، فشهر رمضان شهر تربية للنفس على كبح جماح الغضب والغيظ والكراهية والعداوات، كما جاء في الحديث: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم»، فيتعوَّد على هذا الخلق طيلة أيام رمضان، ليتطبَّع به، ويستمر معه بعد رمضان.

وهكذا يحرص المسلم على حسن اغتنام شهر رمضان، وتربية نفسه وتهذيبها طيلة أيامه، ليزداد رصيده من العمل الصالح المستدام، ويتمكن من إحداث تغيير إيجابي في حياته.

Email