كان الناس ينبهرون من قوة ذاكرة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون التي تعينه على تذكر آلاف الأسماء. فكلما قابله شخص ذكره باسمه وبالمكان الذي التقاه فيه بمقدرة عجيبة!
تبين فيما بعد أنه اعتاد منذ ريعان شبابه على تخصيص بضع دقائق قبل خلوده إلى النوم لقراءة بطاقات صغيرة (مقاس 3*5) كان يعدها خصيصاً لتدوين معلومات مختصرة عن الأشخاص الذين التقى بهم يومياً، كذكر أسمائهم، وتاريخ ومكان اللقاء، وغيرها من معلومات ذات صلة. وتقدر هذه البطاقات بـ 10 آلاف بطاقة بحسب ما كشفه الرئيس كلينتون لصحيفة «نيويورك تايمز». وقال إنه يراجعها باستمرار لتقوية ذاكرته وتذكر الأسماء.
وعُرف عن الرئيس كلينتون أنه كان يحضر جيداً قبل دخوله إلى أي لقاء وذلك بجمع معلومات عن الشخص، واهتماماته، وما شابه من معلومات يتوقع أن يحتاج إليها لاحقاً في اجتماعه. وكان أيضاً يكتب المعلومات على بطاقات صغيرة ليسهل عليه حملها.
العلم الحديث يسمي طريقة الرئيس الأمريكي «بالاستذكار النشط» active recall. وينبثق من ذلك إستراتيجية (أقرأ-استذكر-راجع). فعندما يكتب طالب على بطاقات الاستذكار سؤالاً مثل: من هو رئيس الجمهورية الفرنسية؟ فيحاول للحظات تذكر الاسم. هذه اللحظات قوية في استدعاء المعلومة. وكلما كررها بين الحين والآخر تحسن الاستذكار مع مرور الوقت إذ يرسخ ذلك المعلومة جيداً.
ولذلك تذكرت أحد حفاظ القرآن وهو يقول على شاشة التلفزيون بأن أحد أسرار تقوية الحفظ يكمن في المراجعة الدورية، وتحديداً في لحظات التذكر قبل أن ينظر في المصحف أو يصحح له أحدهم. فهي مثل طريقة البطاقات التي تعلمناها من الأمريكيين والتي نكتب من خلالها على وجه البطاقة البيضاء السؤال وعلى ظهرها الإجابة. وتبدأ عملية المراجعة باستمرار قبل النظر في الإجابة كما يفعل كلينتون. وقد جربتها شخصياً أثناء الدراسة وكان تأثيرها هائلاً على تذكر وتثبيت المعلومات.
لقد بتنا في عصر أحوج ما نكون فيه إلى تذكر المعلومة أكثر من معرفتها. فأطنان المعلومات التي تنهال علينا من كل حدب وصوب لا تكاد يصدق. ولذلك تبرز قدرات صاحب المعرفة عندما يجد معيناً لا ينضب من مخزون معارفه ومحفوظاته فيجد الدليل الدامغ حاضراً. وينتقل بك في رشاقة ملحوظة لا يحتاج فيها إلى مونتاج. فقد كشف مونتاج الفيديوهات القصيرة عن ضحالة معلومات كثير ممن يسمون أنفسهم بالمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي الذين لا يقدرون على بث فيديو من دقيقة واحدة من دون تقطيع وإعادة لأنهم لا يجدون مخزوناً كافياً للتعبير عن ذاتهم.
أرى أن تدريس الطلبة مهارات التذكر وفق أحدث الأبحاث العلمية ضرورة ملحة للاستفادة مما يتناهى إلى أسماعنا. فما فائدة أن أعرف ولكنني لا أتذكر شيئاً مما تعلمته. ولذلك فإن الإنسان لو تذكر جيداً ما تعلمه في مراحل التعليم لصار عبقرياً يشار إليه بالبنان، لكن النسيان يقف لنا دائماً بالمرصاد.