لا يخلو قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران من أبعاد كثيرة مهمة، لكن البُعد الأهم في الموضوع، ربما يكون أن الصين هي ضامن الاتفاق، الذي أعاد العلاقات. وبما أنها الضامن، فسوف تكون أحرص على إنجاحه، وأكثر استعداداً لتقديم ما يكفل هذا النجاح، لأن لها نصيباً في نجاحه بالضرورة، ولأن عدم نجاحه، لا قدر الله، سيجعلها تشعر بنوع من المسؤولية الأدبية.

وعندما جرى الإعلان عن الاتفاق في العاشر من مارس الجاري، تبين للعالم الذي فوجئ بالاتفاق، أن حواراً سعودياً إيرانياً جرى على مدى خمسة أيام سابقة على يوم الإعلان، وأن ذلك كان في الصين وبرعايتها، وأنها حضرت حوار الطرفين طوال الأيام الخمسة.

وليس سراً أن جولات من الحوار بين الطرفين، سبقت هذه الجولة التي توصلت للاتفاق، لأن التوصل لاتفاق بهذه الدرجة من الأهمية، وفي قضية لها هذا القدر من الوزن السياسي، لا يمكن أن يتم من خلال جولة واحدة، مهما طالت أيامها.

ولا أحد يعرف كيف نجح الصينيون في حجب الجولة الأخيرة، عن عيون الإعلام الذي يراقب كل شيء، ولا نعرف كيف جرى هذا الإخفاء، في عصر لا يزال يوصف بأنه عصر السماوات المفتوحة، ولكن ما نعرفه أن هذا أمر يظل يُحسب للصينيين، دون شك.

والسؤال الذي لا يكاد يجد إجابة، هو كالتالي: كيف عجز الإعلام الذي يمسح أرجاء العالم على مدار اليوم، عن معرفة شيء عما كان يدور هناك في الأراضي الصينية، وكيف لم يتشمم القصة كعادته، وكيف ابتعد الطرفان، ومعهما الطرف الراعي، عن عيون الكاميرات والشاشات؟.

لقد شارك نيابةً عن المملكة مسؤول سعودي كبير، وشارك عن إيران مسؤول كبير أيضاً، وذهابهما معاً إلى الصين أو إلى أي مكان، كان لا بد أن يلفت انتباه الإعلام، وأن يوقظ حواسه كلها، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، ولم يعرف أحد باسميهما، إلا بعد إتمام الاتفاق.

وهذه مسألة تظل محسوبة في ميزان الطرف الراعي، أكثر منها في ميزان أي طرف سواه، لا لشيء، إلا لأنه الطرف الذي رتب، والطرف الذي نظم، والطرف الذي استضاف، ثم هو الطرف الذي ذهب إلى المهمة، وهو عازم على إنجازها.. وهو لم يكن يفعل ذلك من فراغ، ولكنه كان يفعله عن قصد، وكان يفعله عن وعي بعواقب وصول النبأ إلى طرف رابع، مهما كانت أمانة هذا الطرف الرابع.

إن أطرافاً في العالم، يهمها أن يبقى الخلاف السعودي الإيراني محتدماً، ولأنها كذلك، فهي تحب أن تغذيه طول الوقت، ولا يسعدها أن يتفق الطرفان، ولا أن يجلسا على طاولة واحدة، ولو كانت قد عرفت بأمر اتفاق من نوع ما تم، لكانت سعت إلى إفساده قبل خروجه إلى النور، ولكانت قد أطفأت أنواره في مهدها.

وهذا ما جعل الراعي الصيني ينتهج في الموضوع مبدأ السرية المطلقة، الذي يعني أن السر إذا غادر صاحبه لم يعد سراً.

وفي تراثنا ما يقول إن هذا مبدأ أصيل عندنا، وأننا مأمورون بأن نتبعه لإنجاح ما نريد أن ننجزه في حياتنا، وهذا ما نفهمه من حديثين للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، الذي كان سياسياً ورجل دولة بامتياز، بقدر ما كان نبياً يحمل رسالة إلى قومه وإلى العالم.. فالرسول عليه الصلاة والسلام، كان يقول: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان. وقد روى عنه أصحابه أنه كان إذا أراد شيئاً ورّى بغيره، أي أخفى حقيقة ما ينوي أن يفعله.

كان هذا بالطبع في شؤون الحرب والسياسة، ومن هناك في القرن الأول الهجري، إلى هنا في القرن الخامس عشر، لم تفعل الحكومة الصينية سوى أنها استعانت على قضاء الاتفاق بالكتمان.

 

* كاتب صحافي مصري