في 19 من مارس، 2003، قامت الولايات المتحدة بضربات جوية ضد العراق، إيذاناً ببدء الحرب. وفي اليوم التالي، قامت القوات الأمريكية بالغزو البري للعراق. وقد بررت أمريكا وحلفاؤها من عدة دول، الغزو بدعوى تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل، وإنهاء الحكم الدكتاتوري للرئيس صدام حسين.

وقد تكشف قبل وأثناء وبعد الغزو عن المخطط الكبير، الذي سعت إليه مجموعة صغيرة من المحافظين الجدد، استغلت موقعها في إدارة الرئيس جورج بوش لتنفيذ طموحاتها السياسية في المنطقة، وقد سعت هذه المجموعة عبر رسالة موجهة للبيت الأبيض إلى إقناع الرئيس السابق بيل كلينتون ، إلى قلب نظام الحكم في العراق، والذي سيخدم ، حسبهم، الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

وعندما وصل جورج بوش إلى سدة الرئاسة، تبوأ هؤلاء الموقعين على الرسالة في 1998، مناصب كبيرة في الإدارة الجديدة، مثل دونالد رامسفيلد، والذي أصبح وزيراً للدفاع، وبول ولفويتز - أحد أقطاب المحافظين الجدد - نائباً لوزير الدفاع، وزميله دوق فايت وكيلاً لوزارة الدفاع لشؤون السياسات، ودوف زخاييم المراقب المالي في وزارة الدفاع، كما حظي أحد الموقعين ريتشارد أرميتج على منصب نائب وزير الخارجية، فيما ترأس زعيم المحافظين الجدد ريتشارد بيرل مجلس سياسات الدفاع، والذي يقدم الاستشارات لوزارة الدفاع .

وقد استغل هؤلاء أحداث سبتمبر الإرهابية في 2001، للتمهيد لغزو العراق حيث يذكر جورج تينت، والذي كان آنذاك مدير وكالة المخابرات المركزية «سي آي إيه»، في مذكراته، أنه قابل في اليوم التالي لأحداث سبتمبر ريتشارد بيرل، وقال له على العراق أن يدفع ثمن العملية الإرهابية. وقد فوجئ تينت بهذا التصريح، لأن التحقيق لم ينتهِ بعد! ولم يعرف من هو الجاني، والشكوك كانت تحوم حول تنظيم القاعدة الإرهابي وبن لادن.

وقد أوفد مجلس سياسات الدفاع، الذي يترأسه بيرل، أحد أعضائه، جيمس وولسي المدير السابق لوكالة المخابرات، وأحد موقّعي العريضة، للتحقيق في مزاعم أن أحد منفذي عملية سبتمبر، المدعو محمد عطا، قابل مخبراً عراقياً في براغ، وكان وولسي مهووساً بهذه العلاقة، والتي نفتها الاستخبارات الأوروبية والأمريكية بشكل قاطع.

وبعد ذلك ، أصبحت مسألة أسلحة الدمار الشامل، القضية التي أجمعت عليها كافة الأجهزة والجماعات التي تدعو للغزو. وكما صرح ولفويتز ذات مرة، أنه لأسباب بيروقراطية، كان القاسم المشترك بين الجميع، هو أسلحة الدمار الشامل. وفعلاً، اتجهت واشنطن بهذا الادعاء لإقناع مجلس الأمن بضرورة تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل، وكانت الجلسة الشهيرة، والتي استعرض فيها وزير الخارجية آنذاك، كولن باول، والذي كان يتمتع بالمصداقية الدولية الأكبر في إدارة بوش، بأدلة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. ولكن مجلس الأمن لم يقتنع، لا بموقف واشنطن، ولا بالأدلة التي قدمها الأخير، في وقت وقفت كل من فرنسا وألمانيا من الحلفاء الغربيين بالمرصاد، لمنع إصدار تفويض لغزو العراق.

ولكن واشنطن أبت إلا أن تشن الحرب تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل. وحين تم الغزو في مارس، والإطاحة بالنظام في الشهر التالي (9 أبريل)، كانت المفاجأة الكبرى حيث لم تجد القوات الأمريكية أسلحة الدمار الشامل. وأصبح الإجماع الجديد، أو الذريعة الجديدة، نشر الديمقراطية، وتخليص العراقيين من حكم صدام الظالم، وأن العراق هي البداية لتحول المنطقة نحو الديمقراطية.

واللافت أنه عندما سأل مراسل جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، الصحافي الأمريكي الشهير توماس فريدمان، عن حرب العراق، رد عليه الأخير «إن حرب العراق هي حرب المحافظين الجدد بامتياز، هم روجوا لها وسوقوها».

 

* كاتب وأكاديمي