بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولة أفريقية في الأول من هذا الشهر، وكانت هي جولته الثانية في القارة السمراء منذ بدء ولايته الجديدة في مايو من السنة الماضية.
وليست الجولة الأخيرة سوى خطوة مضافة إلى الأولى، وسوف تأتي جولات أخرى في الطريق، لا لشيء، إلا لأنه كان بعد فوزه قبل شهور قد تعهد بأن تكون علاقة أفريقيا ببلاده على رأس الأولويات التي سيضعها أمامه طوال سنواته المتبقية في قصر الإليزيه.
وهو لا يهدف في كل الأحوال من هنا إلى أن يغادر القصر، إلا إلى استرداد مساحة من النفوذ الفرنسي لدى الأفارقة على امتداد القارة.
وليس سراً أن فرنسا راحت منذ فترة تفقد نفوذاً تقليدياً كان لها في أكثر من دولة أفريقية، وكانت البداية من مالي في منطقة الساحل والصحراء، وقرأنا كيف أن الحكومة المالية قد طلبت من الحكومة الفرنسية في العام الماضي سحب قواتها المتواجدة على أرضها.
ورغم أن فرنسا عاشت تتمتع بنفوذ سياسي في مستعمراتها السابقة في مالي وفي غير مالي على أرض القارة، ورغم أن وجودها في الساحل والصحراء كان لمواجهة خطر الإرهاب في هذه المنطقة من العالم، إلا أن هذا الوجود بدأ بالانحسار، وكان من علامات ذلك خروج القوات الفرنسية من مالي بالفعل، ثم ما لبثت بوركينا فاسو أن مضت على ذات الطريق الذي مضت فيه مالي، فخسرت باريس نفوذها في البلدين من دون غير مقدمات.
ولم يكن هذا الانقلاب الأفريقي على الوجود الفرنسي واضح الأسباب في بداياته، ولكن مع مرور الوقت تبين أن السبب ليس راجعاً إلى تقصير فرنسي تجاه الحلفاء التقليديين، بقدر ما هو عائد إلى صراع بين القوى الكبرى على التواجد في أفريقيا.
وكانت الصين هي الأسبق في هذا الصراع، رغم بُعد المسافة بينها وبين القارة السمراء، ورغم أنها لا تتمتع بنفوذ استعماري سابق فيها.
وما كادت الصين تستقر في أنحاء القارة الأفريقية حتى كانت القوى الكبرى الأخرى قد تنبهت، فجاءت روسيا من وراء الصين، ثم لحقت بهما الولايات المتحدة الأمريكية، ودخلت الدول الثلاث في ما يشبه السباق. ولم تكن القمة الأمريكية الأفريقية التي انعقدت في واشنطن في ديسمبر 2022، سوى علامة من العلامات على اشتداد هذا السباق وعزيمته.
وكنا من قبل قد بدأنا نسمع عن قمم مماثلة، فكانت هناك قمة صينية أفريقية، ومن بعدها جاءت قمة روسية أفريقية في ذات الاتجاه.
وراحت العواصم الكبرى تتقاطر في اتجاه القارة السمراء، وكان ذلك ملحوظاً لكل المتابعين، ولا نزال نذكر كيف أن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، كان بدأ جولة له في القارة قبل أيام قليلة، وعندما وصل إلى الخرطوم التي كانت إحدى محطات جولته، قال إنه مندهش للغاية، وإن سبب اندهاشه أنه وجد ستة مبعوثين غربيين ينتظرونه، وبمعنى آخر يسبقونه إلى هناك.
وعندما وصل ماكرون إلى الغابون، كانت هي محطته الأولى ضمن خمس محطات، ذهب ليحضر «قمة الغابة الواحدة» التي تنظمها الحكومة الغابونية، وكانت تبحث عن طريقة يحافظ بها العالم على الغابة الممتدة في حوض نهر الكونغو، وهي غابة تصل مساحتها إلى 220 مليون هكتار، وتمثل رئة بيئية للأرض، وتظل هي الرئة الأكبر من نوعها بعد غابة الأمازون في أمريكا الجنوبية.
وبما أن المسألة تتعلق ببيئة مناسبة للعيش على ظهر الكوكب، فالأمر في قمة الغابون يخص كل إنسان، ولا يخص الغابونيين أو الفرنسيين وحدهم.
وهكذا.. ففي كل يوم يعيد العالم اكتشاف أفريقيا، وسوف لا تنتهي الاكتشافات في المستقبل، لأنها القارة الأغنى على أكثر من مستوى، وعلى مستوى ثروات أرضها بالذات.. ويكفي أن نعرف على مستوى المساحة مثلاً، أن مساحة أفريقيا تتجاوز مساحة الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وأوروبا، مجتمعة.. ليس هذا فقط ولكن هذه القارة تضم 60 ٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، و40 ٪ من احتياط الذهب، و30 ٪ من احتياط الماس.. وليس هذا كله سوى عينة من بين عينات!
* كاتب صحفي