تعـدّ الأسلحة النووية الأخطر في ترسانة الدول. دمار هذه الأسلحة يفوق الخيال. الدمار الذي لحق بهيروشيما وناغازاكي هو من قنبلة صغيرة بالنسبة إلى ما عند الدول النووية الآن. وإذا ما فكرت هذه الدول بالدخول في حرب نووية، فإنها نهاية الحضارة البشرية كما نعرفها.

ورغم ما أعطت الأسلحة الذرية من قُوة ونُفوذ عالمي خلقت في نفس الوقت ذُعراً في المُحافظة على الأسلحة وردع الآخرين من استخدام هذه الأسلحة. وطورت الدول عقيدةً نووية لاحتواء هذا الخطر. ولكن هذا الردع لا يُبشر بنتائج إيجابية بمعنى أن تمنع الخصوم من استخدامه. بل مفهوم الردع قائم على مزيد من الدمار في حالة استخدمتها إحدى الدول النووية ضد دولة نووية أخرى أو دولة حليفة للدول النووية كما كان الحال بالنسبة لدول الناتو أو حلف وارسو.

يقول جيمس ولسي، مدير وكالة المُخابرات المركزية السابق إنه لا يستطيع أن يأتي بمثال أسهمت فيه الأسلحة النووية في تعزيز الأمن، أو خدمت مصالح الولايات المتحدة. لأن مُجرد إدخال أسلحة من هذا القبيل تزيد من إمكانية نشوب حرب من الخصوم ويزيد من الاستعدادات لتأسيس قُوة رادعة والتي تزيد من سباق التسلح.

يقول أحد خبراء الأسلحة النَّووية إن دولة صغيرة بإمكانها أن تردع دولة عظمى مثل الاتحاد السوفيتي إذا ما امتلكت قنبلةً نووية حرارية وهددت بإلقائها على عاصمة البلد. فإن هذا التهديد يكون كافياً لردع الدولة العظمى. ولهذا السبب كان ضرورياً أن تطور هذه الدول من مقدرتها لردع دول سواءً أكانت صغيرة أو كبيرة.

بالنسبة للولايات المتحدة كان تركيزها على الخصم الأكبر وهو الاتحاد السوفيتي، والآن روسيا الاتحادية. قامت العقيدة النووية للولايات المتحدة ـ حسَب ما يرى خبير الأسلحة النووية بيتر فيفر ـ على مرتكزين رئيسيين. الأول: التهديد بالرد النووي لمنع أي هجوم نووي من قبل الاتحاد السوفيتي. والثاني: الحد من أي أضرار بالغة على الأراضي الأمريكية إذا نشبت الحرب. ولكن العقيدة النووية تطورت مع تطور هذه الأسلحة. فبدلاً من الاعتماد على ضربات موجعة على الخصم مثل المدن الصناعية والتجارية لشل الاقتصاد الوطني للخصم، ارتأت الولايات المتحدة أن تدمير القُوة العسكرية والقيادة السياسية والقيادة والسيطرة لشل البلاد سياسياً وعسكرياً هي الوسيلة الأنجع لدحر العدو.

والحال كذلك بالنسبة للاتحاد السوفيتي والذي اختبر أول قنبلة نووية في 1949، أي بعد أربع سنوات من الهجوم النووي على اليابان من قبل واشنطن. وأصبح الخطر داهماً بالنسبة للولايات المتحدة، وهنا طورت الولايات المتحدة عقيدة الردع والذي يتشكل من هجوم نووي شامل على الاتحاد السوفيتي إذا ما شنَّ حرباً على الولايات المتحدة. ولكن هذه الاستراتيجية تطلبت إنفاقاً عسكرياً كبيراً للحصول على أسلحة استراتيجية تحقق هدف الهجوم الشامل.

وقد وصلت وتيرة التصعيد بين الطرفين إلى سباق تسلح كان يخشى منها العالم أن يؤدي إلى حرب نووية تأتي على الأخضر واليابس، وحتى على البلدان التي لم تكن يوماً مع هذا الطرف أو ذاك.

ومن ثم رأى الخبراء في الاستراتيجية النووية أن الوضع القائم بين القطبين وصل حد الجنون. ولفظة مجنون MAD بالإنجليزية اختصار للدمار المتبادل المؤكد. فحالة الدمار المتبادل هي حالة الاستقرار. وضع لا يطمئن خاصة أن الحرب الباردة والتنافس الجيوسياسي بين العملاقين كان في أوجه. والخطأ في التقديرات محتمل. والتصعيد المنفلت مسألة محتملة. ولعل أول اختبار لهكذا سيناريوهات تمثلت في أزمة الصواريخ الكوبية والذي ضبط العالم أنفاسه لأيام. هذه دروس مستفادة في المواجهات الحالية بين أقطاب العالم. كيف ندير الاختلاف ونمنع الخلاف.