في اليوم العالمي للإذاعة والتلفزيون

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعل أول إذاعة أنشئت في التاريخ هي إذاعة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأمريكية في العام 1920، وقد قيل إن هنالك إذاعة سبقتها في الإنشاء يعود تاريخها إلى عام 1906، لكن يبدو أن نقصاً في معاييرها حال دون دخولها في تاريخ الإذاعات. 

تمر في شهر فبراير الحالي وتحديداً في الثالث عشر منه مناسبة يوم الإذاعة العالمي الذي تبنته هيئة الأمم المتحدة عام 2011. يُحتفل فيه بهذا الابتكار الإنساني والقائمين عليه والعاملين فيه، الذي توصل إليه الإيطالي غوليلمو ماركوني «1937 ـ 1874»، واستطاع عبره الإنسان أن يُسمع صوته إلى أنحاء بعيدة ومأهولة من الكوكب. حدث ذلك في بداية القرن العشرين. 

ولمناسبة ذلك يجدر القول إلى أن أولى الإذاعات التي أنشئت في منطقة الخليج العربية، كانت إذاعة المنامة في دولة البحرين. والتي أسسها الإنجليز عام 1940. وتلتها إذاعة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية عام 1949. وأنشأها المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود، بمرسوم ملكي ومما جاء فيه: «على الإذاعة ضرورة التزامها بالصدق والأمانة والواقعية وأن تكون موضوعية». وأنشئت إذاعة في دولة الكويت عام 1951، واستغرقت شهوراً حتى التقط بثها الرسمي في شهر مايو من العام ذاته.

ولما كان الحديث عن الإذاعات الأولى في العالم، وفي المنطقة الخليجية العربي وبلدانها، حريٌ بنا ذكر الصوت النسوي في هذه الإذاعات كما نقله لنا المتخصص في مثل هذه الشؤون التاريخية. وهو الصديق الدكتور عبدالله المدني من البحرين؛ فهو أورد في مقال له اسم أول مذيعة في إذاعة المنامة من البحرين، هي أمينة حسن، وأما في دولة الكويت فكانت المذيعة أمل جعفر هي أول من قال «هنا الكويت»، وحصة العسيلي أول مذيعة إماراتية انطلق صوتها من الشارقة في العام 1965.

ولمناسبة الحديث عن الإذاعات والمذيعين، فثمة من يتحسّر على مذيعي أيام زمان عند المقارنة ببعض مذيعي أيامنا الحالية. لتنطبق مقولة «الزمن الجميل» على تلك الفترة؛ ففيها كان المذيع مثالاً يحتذى، أولاً لسلامة نطقه في قراءته لنشرة الأخبار ومواجيزها، أو قراءته لفقرات الربط بين البرامج التي غالباً ما تأتي قصيرة وسريعة وواضحة، ممهدة للانتقال السلس فيما بين البرامج على اختلاف طبيعتها، سواء الجادة منها أو الخفيفة المتنوعة الثقافية والفنية وحتى التمثيليات أو اللقاءات الهادفة مع الشخصيات الفاعلة في المجتمع حينذاك. وثانياً لأناقة هندامه. وثالثاً حرصه على الابتسامة عند نهاية النشرة أو الفقرة، وضبطه لتفاعلاته النفسية في منطقة الوجه تحديداً طبقاً لطبيعة الخبر، حزينا مؤلماً هو أم مفرحاً مبهجاً؛ حيث لم يكن أيامها من ذكر لمدرسة اللا انفعال أو أثر، بل لم تكن مثل هذه المدرسة قد ظهرت إلى الوجود بعد. 

كان مذيع أيام زمان يطل علينا ليسمعنا صوته في الأوقات التي تناسب طبقة صوته؛ فمثلاً، ما كنت تسمع في الصباح الباكر صوتاً أجشاً نبراته مزعجة وأنت في طريقك للسعي أو للعمل. بل على العكس من ذلك، كنت تسمع في الصباحات النديّة أيام زمان، صوتاً ممتلئاً بالطاقة الإيجابية يضيف لك قيمة دافعة للإقبال على الحياة والعمل والأمل. وأما إذا سكن الليل فكنت تسمع أصواتاً من الإذاعة - ولاحقاً من التلفاز - شاعرية، هادئة، يحرص المذيع المكلف أن يضبط نبرات صوته في برنامجه، على مستويات محددة لا يخرج عليها، أو لنقل يضبطه على مقامات مستقيمة وهادئة، ولمن يعرف شيئاً عن الموسيقى نقول كان يضبط نبرات صوته على مقام بيات. المستقيم الرخيم المطمئن حيث يصل إلى القلب فالروح. كان في تلك الفترة لكل برنامج مذيع؛ فلا تجد مذيع ربط يقرأ عليك تقريراً إخبارياً أو تعليقاً سياسياً، كما هو الحال هذه الأيام. كما أنك ما كنت تسمع أن مذيعاً أو مذيعة لبرنامج اجتماعي، تقرأ عليك فجأة نشرة إخبارية، وتبادرك بصوت أوله قوي وآخره ضعيف، لأنها بدأت بجمل طويلة لا داعي لها لتدخل فيها سباقاً مع الوقت. يضطر المستمع بسبب ذلك لرفع صوت المذياع أو التلفاز ليفهم ماذا قال أو قالت في آخر ثلاث كلمات من الجملة الخبرية. تلك الفترة التي أتحدث عنها، وهي ليست بعيدة كثيراً، كان المذيع فيها يحافظ على لياقته البدنية، فيقوي العضلات التي تساعده على ضبط الصوت وصفائه، وسهولة التحكم بنبراته، فيهتم بتمارين المعدة، وعضلات الصدر والرقبة، مما يجعله مصدراً لضخ الحيوية عبر اعتداده ببدنه بصفته مكوناً رئيسياً من مكونات الشخصية العامة. ولم يكن هنالك شيء اسمه «مذيع فترة» الذي يستلمك من الصباح حتى الظهيرة «ما يزيد على 5 ساعات»، فتمل الاستماع إلى حديثه «السائح غير المركز»، لشعورك بأنه متعب ويتخبط يمنة وشمالاً وفي كل الاتجاهات، ويتحدث لك في أسعار المواد الغذائية، والأزمات السياسية، وأسهم البورصة، وعالم الأحياء البحرية، وإنترنت الأشياء. وفي هذه الأيام، قد يشارك مذيع النشرة الرياضية في برنامج صباح الخير مثلاً، الذي من المفترض أنه موجه إلى الأسرة في المنزل، أو سائقي السيارات المتعبين في طرق طويلة. ولك أن تتخيل الوضع كيف يكون، ناهيك عن النطق الخاطئ للمفردات بسبب السرعة والضحك بلا سبب. لكن ما يزيد في ضيق صدر المرء ورفع ضغطه، هو أن يطرح (مذيع الفترة) نفسه إعلامياً متفقهاً. وتلك مشكلة عويصة.

Email