المبنى العتيق.. غـيبوبــة الهوى

ت + ت - الحجم الطبيعي

«لم تكن عواطفي جميعها سوى مقدمة أودعتها لهذا الشغف!» أونوريه دي بلزاك

«لم أحبّك كشخص فقط، بل أحببتك كوطن لا أريد الانتماء لغيره» هكذا كانت غيبوبة شاعر المرأة نزار قباني، وهناك أيضاً من يشاركه تلك الفلسفة أمير الرواية الفرنسية «أونوريه دي بلزاك».

لم يكن بلزاك روائياً عادياً وحسب، بل كان روائياً عظيماً وإنساناً مليئاً بالعواطف والاندفاعات. عاش حياة قصصية مثيرة فيها كثير من المغامرات والنجاح الضخم والفشل الضخم أيضاً!!

نسي بلزاك في غيبوبة الهوى دُيونه من شجن الهيام بامرأة قاسية صوَّرها في إحدى رواياته التي كان يعالج فيها النساء آنذاك بتصويرهن بأنهن «وحوش شريرة»! وعلى الرغم من ذلك يصر بلزاك على أنهُ ولد في سبتمبر من عام 1833.

وكتب قائلاً: «لم تكن عواطفي جميعها سوى مقدمة أودعتها لهذا الشغف»! تلك الغيبوبة عاشها بلزاك طيلة حياته. كان يحارب على طول الجبهة، وظل هارباً بديونٍ أثقلت كاهله وعشق لا طائل منهُ، حتى تزوجا أخيراً: «أنوريه دي بلزاك» والكونتيسة «هانسيكا» في 14 مارس 1850، ولم يدم زواجهما سوى ستة أشهر. ووافت بلزاك المنيّة وتوفي بباريس في 18 أغسطس 1850 من ذاك العام.

صورٌ مختلفة، ولكنها تتفق في مضمونها. مضمون هذه النافذة مماثل أيضاً لمضمون نافذة بلزاك. قصص وروايات تتجدد على الرغم من اختلافات الأزمنة والعصور! «مبنى عتيق» يضم قصصاً لا يستوعبها المكان. في حقيقة الأمر لطالما تجاهلتُ هذه النافذة، فكلما وقعتْ عيناي على ساكنها أَتنفّس الصعداء رغم أن تلك الآهات قد لا تخفف عناء ما تحمله قلوبنا من وَجِع!!

لن أطيل عليكم، كان يقطنها الكاتب «ويليام بلزاك» سمي بهذا الاسم نسبة إلى أمير الرواية الفرنسية «أونوريه دي بلزاك». له من الصفات مَا يَدعوك للْعجب! كان ويليام يتقَمَّصُ شخصية أونوريه دي بلزاك وكأن الروح تنتقل فعلاً مِنْ جَسَدٍ إلى جَسَدٍ آخَر دون أن يعي! كان يَقْضِي اللَّيْلَ عَسَّاساً، لا يعرف النوم إلى عينيه طريقاً مُنغمِساً في ملذَّات الكتب خلف تلك الطاولة وسط إضاءة خافتة وفي يده فنجان قهوة صامتة، ولكنها تُغني عن ألف صديق! تتصاعد منها أبخرة المساء وسكون الليل، يرتشف، وتتسلَّل إلى قلبهِ نشوة الدفء بعد أن أُثلج قلبه قبل أطرافه!

ما زلتُ أذكر تلك الليلة عندما أَطبقت علينا النُّجوم وكان الليل مُقْمِراً. فتح ويليام بلزاك نافذته وبدأ يتأمل الليل بعد اعتكاف وعزلة استمرا لأشهر!! شعرت بأن اليأس بدأ يتطرَّق إلى نفسه، ما زلتُ أذكر الخصلات البيضاء التي كانت تغطي معظم شعره، ولكن لم تزدهُ إلا وقاراً وعَظَمَةً. كان في يدهِ عبق من القهوة يروي معهُ قصصاً ضمن إطار أسود قاسٍ!!

أذكر في حديث صحفي قرأتهُ له.. سؤال: ويليام، لمَ هذه العزلة؟ قال بإجابة بسيطة: لستُ مُولَعاً بِهذا العالم، فقد سَقَطْنا تَحْتَ إغْرَاءِ «غيبوبة الهوى»! أما عن تلك المظاهر الكَاذِبَةِ، فلا تعني لي شيئاً! يا صديقي باتَ الإخلاص كذبة والصدق ضعفاً!!

لحظة تأمل:

أنا المتأمل الآن!! السؤال الذي يطرح نفسه: هل أُلْبسنا أم تجاهلنا ذاك الثَوْب الخَالِص! ثوب غيبوبة الهوى والتجرد من الزيف.. واستلهام قيم وروح الإبداع

Email