يدور الحديث حول الأسلحة النووية في العلاقات الدولية. وفي السِّجال حول الموضوع مدرستان. مدرسة تقول إنَّ أثر الأسلحة النووية كبير على العلاقات بين الدُّول. وهذه هي الفكرة السَّائدة على المستويين العلمي والعام. أما الرؤية الثانية، فترى أن الأسلحة النووية لها تأثير بسيط على مُجمل العلاقات الدولية، بسبب عدم استخدام هذه الأسلحة، لما لاستخدامها من عواقب وخيمة.وفعلاً، فقد امتنعت دول نووية عدة عن استخدام هذه الأسلحة، بسبب الردع المُتبادل بين القوى النووية، أو الردع الموسع من قبل دول نووية لدول غير نووية مُتحالفة معها، كما في حالة بعض دول أوروبا. والسبب الثاني يعود إلى الخسائر البشرية والبيئية، التي قد يُسببُها استخدام الأسلحة النووية. وثالثاً: فإن استخدام الأسلحة النووية في النزاعات الدولية، سيؤسس لتجاوز عتبة لا يريد أحد تجاوزها؛ يؤسس لسابقة استخدام هذه الأسلحة، رغم أنها ستحسم الحروب الطويلة في وقت قصير. ولا تزال حالة الحرب الروسية-الأوكرانية ماثلة أمامنا، حيث امتنعت موسكو عن استخدام ترسانتها النووية، رغم التلويح بهذه الأسلحة ذات مرة.

وإذا ما استطلعنا تاريخ القنابل الذرية، فإننا نشاهد رغم ما يُنفق من أموال وموارد على تطوير وإنتاج وحماية هذه الأسلحة، إلا أن دورها الإيجابي ـ بمعنى إحداث فِعل ـ ضئيل جداً. ولكن دورها السلبي ـ بمعنى منع إحداث الفعل ـ كبير. فقد منعت الأسلحة النووية الحروب المُتكررة بين الدول العظمى، مثلما كان يحدث منذ بداية التاريخ، حتى إنتاج القنابل النووية. فقد كانت الحروب بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة متعددة، إلى الوصول إلى الحربين العالميتين.

وكان أول وآخر استخدام لهذه القنابل، من قبل الولايات المتحدة ضد اليابان، والذي حسم الحرب لصالح الأولى. يُقال إنَّ الرئيس الأمريكي حينها، هاري ترومان، آثر استخدام السلاح النووي، ليس لغرض هزيمة اليابان، والتي أنهكتها الحرب، وأوشكت على الاستسلام، ولكن الغرض كان لإرسال رسالة قوية رادعة للاتحاد السوفييتي، وتَمددها في أوروبا، مع أُفول الحرب العالمية الثانية.

وحين اندلعت الحرب الكورية في 1950، أي بعد خمس سنوات على انتهاء الحرب العالمية الثانية، أشار جنرالات الجيش الأمريكي على الرئيس ترومان، باستخدام الأسلحة الذرية لحسم الحرب لصالح الولايات المتحدة. ولكن الرئيس أبى، وقال إنه لن يستخدم هذه الأسلحة الفتاكة ضد بلد آسيوي آخر، في غضون عقد من الزمن. والحقيقة أن حينها امتلك الاتحاد السوفييتي، والذي كان يدعم الشيوعيين في كوريا، قنابل نووية، قد يستخدمها ضد الجيش الأمريكي المرابط في شبه الجزيرة الكورية، ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب كونية. ومُنذُئذٍ أصبح استخدام هذه الأسلحة تحمل كلفة لا يطِيقها أحد. وأصبحت الأسلحة النووية، رغم قوتها التدميرية الكبيرة، تلعب دوراً محدوداً في السياسة الدولية.

ونظرية الردع قائمة على الرعب المُتبادل بين الخصمين اللدودين، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، ولجأَ الاثنان كبديل إلى حرب باردة وحروب بالوكالة.

يجب الإشارة هنا إلى أن نظرية الردع صعب التحقق منها، إلا باجترار أمثلة من التاريخ. فعلى سبيل المثال، هل امتنعت واشنطن من استخدام الأسلحة النووية ضد خصمها العنيد، بسبب أن موسكو ردعت الولايات المتحدة بما تملك من أسلحة نووية، أم أن استخدام الأسلحة النووية أصبحت من المحرمات في العلاقات بين الدول. منطقياً، يبدو أن الردع هو السبب. ولكن في نفس الوقت، لم تستخدم الولايات المتحدة في حربها في فيتنام أو العراق الأسلحة النووية، رغم أن الدولتين لا تمتلكان أي سلاح ردع. ولا استخدم الاتحاد السوفييتي قنابل ذرية ضد الأفغان، رغم عدم امتلاك الأفغان أية أسلحة رادعة بهذا الشأن. وكذلك الحال في مواجهات إسرائيل في لبنان أو غزة.

على ما يبدو، فإن هذه الأسلحة لا تصلح عسكرياً، بسبب الثمن الباهظ من استخدامها. هي للاستعراض والمكانة الدولية، أكثر من أنها أسلحة للاستخدام في الحروب. وللحديث بقية..

 

 

* كاتب وأكاديمي