انقضى عام 2022 بكل ما حمل من جديد ومستجد. لم يكن 2022 كسابقيه، ففي العام 2020 شهد العالم وباء لم يكن له مثيل في ذاكرة الأجيال المتعاقبة والتي تزخر بها البسيطة.

ولم يكن مثل العام السابق (2021) والذي شهد استفحال الجائحة، وعلى الصعيد السياسي دشن عهداً جديداً في الولايات المتحدة مع إدارة جديدة، وشهد حدثاً مهماً تمثل في الاعتداء على مبنى الكونغرس، رمز الديمقراطية الأمريكية، في دولة هي رمز الديمقراطية في العالم، أو هكذا تحب أن تُعرف.

العام 2022 سيعرف بسنة التعافي من كوفيد 19. والتعافي ليس مصطلحاً صحياً بل اجتماعي وديني واقتصادي. فلقد عادت فيه التجمعات في الأفراح والأتراح، وعادت دور العبادة إلى سابق عهدها في عقد الصلوات، والاحتفالات الدينية إلى بهجتها الخالصة وغاياتها النبيلة دون خوف، واقتصادياً بدأت سلاسل التوريد في التعافي نسبياً بعد اضطراب أثر على أسواق العالم.

ولكن لا بد للعالم أن يتكدر رغم بشائر الانتصار على فيروس كورونا ولو بعد حين. فقد اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في 24 فبراير، والسبب يعود إلى تخوف الرئيس فلاديمير بوتين من زحف دول الناتو إلى حدود بلاده، وأن الأخير يتربص بروسيا لإيقاعها تحت نفوذ الحلف الغربي.

والذي طالما كان منافساً شرساً للاتحاد السوفيتي السابق. وكما تسبب الغرب في تفكك الاتحاد السوفيتي، فإن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يحاول إخضاع روسيا، وفق وجهة نظر موسكو.

وكما الجائحة، فإن الحرب الأوكرانية كانت لها آثار بعيدة على الاقتصاد العالمي. فقد تأثرت أوروبا بارتفاع أسعار الطاقة في فترة حرجة تحاول الخروج من الأزمة الكبرى المتعلقة بالجائحة. وحاول بوتين الاستفادة من ورقة الطاقة لزيادة الضغط على الدول الغربية، بينما سعت الدول الغربية لاستنزاف روسيا عبر دعم أوكرانيا ومدها بالسلاح والدعم اللوجستي والاستخباراتي.

وفضلاً عن الطاقة، فإن أسعار المنتجات الزراعية ارتفعت بسبب توقف صادرات أوكرانيا من الحبوب والتي اعتمدت عليها كثير من الدول. ومازالت الحرب تدور رحاها وتعرك عَركَ الرَحى بِثِفالِها، ولا أمل في نهاية قريبة.

وفي 2022 شهد العالم تصاعد حدة التنافس بين القطبين الكبيرين: الصين والولايات المتحدة. ويبدو أن الصين تتجه إلى توسيع نفوذها الخارجي عبر مشاريعها العملاقة المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق وعبر توسيع استثماراتها في الدول النامية. ولعل صعود شي جينبينغ مؤشر على الاستعداد للمرحلة القادمة. فخلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الأخير، أعيد انتخاب الرئيس للمرة الثالثة بعد إلغاء قانون تحديد فترات الرئاسة بفترتين.

وبعكس الصين، فإن المؤسسات الحاكمة في الولايات المتحدة تزداد عطباً رغم ما أظهرت من مرونة بعد الأزمة الدستورية في العام المنصرم. وعلى غير المتوقع حافظ الديمقراطيون على أغلبية في مجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية.

بينما خسروا مجلس النواب لصالح الجمهوريين. وقد كان لقرار المحكمة العليا الأمريكية والذي يسيطر عليه المحافظون في إبطال قانون الإجهاض والذي استمر عدة عقود أثر في هذه الانتخابات الأخيرة. ولكن الساسة الأمريكيين والمجتمع مصابون بشلل الانقسامات والاستقطاب الفظيع. ومع انتشار السلاح في الولايات المتحدة وتصاعد وتيرة أحداث العنف، فإن مستقبل الولايات المتحدة في خطر.

أوروبا شهدت أحداثاً كبيرة، منها استقالة الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون والتخبط في اختيار قائد لحزب المحافظين إلى أن رست على قائد أصبح أول رئيس وزراء لبريطانيا من أصول هندية؛ ريشي سوناك ذو الـ42 عاماً تربع على زعامة دولة أوروبية كانت تستعمر بلده الأم لقرون. وفي فرنسا أعيد انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون بعد تنافس مع مرشحة الحزب اليميني المتطرف مارين لوبان. ولكن اليمين الإيطالي ذو الجذور الفاشية حقق نجاحاً بانتخاب جورجيا مِلوني أول امرأة إيطالية لسدة الحكم. هكذا بدا العالم لنا ونتمنى عاماً قادماً أفضل.

* كاتب وأكاديمي