الفراغ عدو المؤسسات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكاد أجزم أن الفراغ من أكبر أعداء المؤسسات والأفراد، ولا أقصد أوقات الفراغ، بل أقصد أموراً أخرى، منها أن يصبح هناك فراغ إداري، وتطول مدته، هنا تتأخر القرارات، وتضيع الفرص، وتتراجع المستويات.

ولذلك كان في علم الإدارة مفهوم الإحلال الوظيفي أو خطة التعاقب succession plan، وهي أن يعرف الجميع من يخلف من في الإدارة، فإذا ما شغر منصب فإن تعميماً سريعاً سيصدر لا محالة بتولي الشخص الثاني، لأن من المفترض أنه قد تم تدريبه وتأهيله لهذا اليوم.

وهناك فراغ حكومي، وذلك عندما يتقاعس وزير عن أداء مهامه، أو يتراخى في حسم مسائل تتطلب قرارات شجاعة، هنا تقوى شوكة المعارضة أو البرلمان أو الرأي العام.

فتجده يحاول ملء هذا الفراغ (في القرارات أو الإنجازات الملموسة)، فيصبح الوضع كالطاهي (الوزير) الذي يتراخى عن دوره، فيدخل عليه كل من هب ودب في المطبخ، لمعالجة هذا الفراغ، الذي أحدثه الوزير أو فريقه، والأمر نفسه ينطبق على رؤساء الحكومات في شتى بقاع العالم.

من الفراغات ما هو جلي، وما هو خفي، فمن الفراغ الخفي عندما تظن الإدارة العليا أنها تستند إلى كفاءات، لكنها فور ما تمنحها مسؤولياتها لأول مرة تظهر هشاشة مستوياتها، وهذا يجرنا إلى تقاعس أو ضعف إدارة الموارد البشرية.

وربما يكون الوضع متعلقاً بعدم وجود نظام فاعل في تأهيل الموظفين، وتحديداً من يوشكون على تولي مناصب عليا، فلا بد أن يعرف ويمارس المرء مهارات اتخاذ القرار وكلها ليست نظرية، فكثير منها مرتبطة بالميدان، وذلك بمنحه فرصة العمل بنظام الإنابة لفترة معينة، خلال غياب مسؤول ما حتى يتعرف على أنواع القرارات وحجم المسؤوليات، فإذا ما شغر منصب الوكيل أو المدير كان هو البديل المناسب.

وهناك فراغ خفي، تحدثه المعلومات المنقوصة أو غير الدقيقة، التي ينقلها الموظفون عن العملاء أو المراجعين أو الرأي العام، ثم يكتشف كبار القياديين أن الجمهور يغلي من شدة ألم التعامل مع هذه المؤسسة أو تلك. وتعد المعلومات المنقوصة سبباً مباشراً لإحداث هوة بين الواقع والمأمول.

فتدخل في هذا الفراغ الاجتهادات العشوائية إما لأسباب ضيق الوقت وإما تحت وقع صدمة المعلومة، وغضب الناس بدلاً من أن نحل المشكلة بهدوء حتى لا نفاقم المشكلة، ونوجد مشكلات أخرى، بسبب لحظات التسرع.

وهناك فراغ مؤسسي، تكتشفه الجهات الرقابية، وهي عندما تكتشف غياب لوائح مهمة لطريقة التعامل مع الأموال النقدية أو التحويلات البنكية، أو غياب مناصب مفصلية في المؤسسة فتلزم الإدارة بمدة زمنية لوضع حلول سريعة.

وكذلك الحال مع بيوت الاستشارات الكبرى أو المدقق الخارجي أو ديوان المحاسبة أو المراجع، الذي يضع إصبعه على مكامن الخلل أو المخالفات والملاحظات، التي إذا ما تم تجاهلها فإنها قد تصبح مخالفة لقانون أو لائحة أو تعرض مصالح المساهمين أو المال العام للضرر.

ولهذا مهما كانت الإدارة حصيفة، وكان القيادي فذاً، إلا أن في الإدارة لا بد من مراعاة وجود جهات تراقب وتدقق داخلياً وخارجياً، وبطريقة منهجية ومستمرة، هكذا يمكن أن يكتشف المسؤولون جانباً من الخلل أو الفراغ.

وخطورة الأمر أن الفراغ قد يكبر تدريجياً، فتلك الهوة بيننا وبين المنافسين سواء كانت شركات أو بلداناً قد تكبر مثل كرة الثلج، فتصبح تداعيات إصلاحها أكثر كلفة، ولهذا كان من المهم وجود قرون استشعار لمكامن الخلل باستخدام كل التكنولوجيا والقدرات البشرية المتاحة حتى نئد المشكلة في مهدها.

خلاصة الأمر أن الفراغ أنواع، فهناك فراغ إداري، أو معلوماتي، أو قدراتي مرتبطة بهشاشة المسؤولين، ويضر القيادي، نفسه لأنه لا يمكنه الاعتماد على مرؤوسيه، كما أن الفراغ إذا لم يسد بحكمة وتروٍ فإنه يجعل المؤسسات عرضة للتخبط أو التسرع، ولذلك فإن الفوضى تتمدد في الفراغ.

*كاتب كويتي متخصص في الإدارة

 

Email