المؤثرات في تربية الأجيال

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن عملية التربية تتعلق ببناء أمة وحضارة، يرتقي أبناؤها إلى آفاق القيم النبيلة والمبادئ السامية، ليحملوا مشاعل النهضة والارتقاء بأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم ووطنهم.

والتربية هي اهتمامٌ ببناء الإنسان بناءً متكاملاً، ابتداءً من تربية الفرد نفسه، أياً كان موقعه ومستواه، بأن يتعاهد نفسه باستمرار، ويهذبها ويزكيها، وينمي نقاط قوتها، ويعالج نقاط ضعفها، ويُقوّمها إذا بدر منها اعوجاج، وقد اعتنى القرآن الكريم بهذا الجانب عناية كبيرة، قال تعالى:

{قد أفلح من زكَّاها}، أي أصلح نفسه وارتقى بها وقادها إلى طريق الفلاح والسعادة بالإيمان والعلم النافع والعمل الصالح والخلق الحميد، وهي تحتاج من الإنسان إلى معالجة مستمرة، ومراقبة ذاتية لما يبدر منه، فإذا أخطأ في حق الله تاب واستغفر، وإذا أخطأ في حق الغير استسمح واعتذر، وإذا صدرت منه هفوة نظر وتدبر، فعالج أسبابها لكي لا تتكرر، وهكذا هو مع نفسه على الدوام، ينظر إليها كما ينظر إلى المرآة الصادقة، تهذيباً وتقويماً وارتقاءً.

وإذا كان الإنسان مربياً نفسه كان قادراً على تربية من هو مسؤول عنهم، وخاصة الأبناء، الذين هم زهرة الأوطان، وعماد المجتمعات، فيحرص على تربيتهم تربية متكاملة على أحسن الوجوه، سواء التربية الإيمانية أو العقلية أو العاطفية أو الاجتماعية أو الصحية أو غيرها، متسلحاً بالحكمة والرفق والكلمة الطيبة والقدوة الحسنة الملهمة.

فيعلم تماماً أنه في مرمى نظر أبنائه، يتأثرون بما يفعل ويقول، فربما غرس فيهم طباعاً وقيماً سلبية دون أن يقصد إذا أطلق لأقواله وأفعاله العنان، ولم يبالِ بأثر هذه الكلمة أو ذاك السلوك، والتربية بالقدوة من أهم المؤثرات في تنشئة الأجيال، وبمقدار تعلقهم بالقدوات الحسنة الملهمة، وخاصة الوالدين يتأثرون بذلك فكراً وسلوكاً وأخلاقاً.

إن من أهم ما يحتاجه الأبوان لنجاح هذه المهمة التقرب من أبنائهما، بحيث يكونان منبع أسرارهم، وكهفهم الذي يؤوون إليه، والصدر الحنون الذي يحتويهم، من دون أن يفقدا سلطتهما الأبوية الحكيمة في فرض القواعد والانضباط، حيث يؤكد التربويون مبدأ الاعتدال في التعامل مع الأبناء، والطريقة الصحيحة في مصادقتهم، دون تساهل وتغليب جانب حريتهم واستجابة مفرطة لرغباتهم.

بحيث يفتقد الأبناء إلى روح المسؤولية والانضباط، ودون إكراه وفرض الطاعة العمياء وتغليب الشدة والامتناع، ما يؤثر سلباً عليهم، وحينما يغلق الأبوان أبواب العاطفة أمام الأبناء فإنهم قد يصبحون صيداً سهلاً لأي مشبوه يستغل هذا الفراغ لتحقيق مآربه السيئة.

وإذا تحدثنا عن تربية الأجيال فإن من أهم المؤثرات عليهم في وقتنا الحالي الفضاء الإلكتروني المفتوح، الذي يتضمن ألواناً وأشكالاً من المحتويات، سواء الألعاب الإلكترونية، وخاصة تلك التي تنطوي على دردشة وتواصل مع الغرباء، وكذلك أفلام ومسلسلات الكرتون والأنمي التي تحمل قصصاً وثقافات وسلوكيات من وحي كُتابها ومنتجيها، تأتي كما هي، بما فيها من إيجابيات وسلبيات ومؤثرات فكرية وسلوكية.

فضلاً عن تطبيقات التواصل الاجتماعي من واتسآب وتلغرام وغيرها، والتي يستطيع من خلالها أي شخص إرسال ما يشاء من رسالة إلى هذا الفتى أو تلك الفتاة، وقد يتضمن بعضها ترويجاً للممنوعات كالمخدرات وغيرها، وكذلك المجموعات الخاصة التي ينشئها زملاء في الصف أو المدرسة للدردشة الخاصة والتواصل بينهم بعيداً عن أعين الآباء والمعلمين.

وقد تتضمن رفقاء سوء ينشرون دون حسيب ولا رقيب، وكذلك منصات التواصل الاجتماعي التي تُعنى بالمقاطع المرئية القصيرة، التي قد يدمن عليها الطفل إذا لم يجد من يوجهه ويرشده، في ظل توافر الأجهزة الذكية في متناول أيدي الجميع، إلى غير ذلك من المؤثرات والتحديات التي تمس تربية الأجيال في العصر الحاضر.

إن كل ذلك يتطلب من الآباء والتربويين أن يتحلوا بالوعي الرشيد، ويسلكوا أفضل الوسائل والطرق لتربية الأجيال على القيم النبيلة والأخلاق الحميدة، وغرس حس المسؤولية لديهم، وصقل مهاراتهم، وتشجيعهم على استثمار أدوات العصر وتقنياته بالشكل السليم، وتكاتف الجميع، سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة أو المجتمع عموماً لتعزيز القيم الإيجابية في الأجيال، والعناية بتنشئتهم ليكونوا خير جيل، يسهمون في رفعة وطنهم وازدهاره وبناء غدٍ مشرق.

* كاتب إماراتي

Email