تحدي القراءة العربي.. إنجاز منقطع النظير

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أن تسلّم مسؤوليات الحكم والإدارة قبل أكثر من خمسين عاماً، كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على يقين تام بأنّ معادلة الحضارة لن تقوم إلا على ثنائية العمران والإنسان.

وكان الإنسان في قلب اهتمامه لأنّ الحضارة لا تنهض إلا بجهد الإنسان، وهي رؤية أصيلة عميقة الحضور في بناء الدولة كان قد أرسى قواعدها ورسّخ معالمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة ورافع بناء الوطن، الذي كان شديد التركيز على البعد الأهم في بناء الدولة المتحضرة ألا وهو الإنسان بكل ما أودع الله فيه من المواهب والطاقات.

وإذا كانت «دبي» هي شاهدة العمران الكبرى التي أبدعها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وجعل منها نموذجاً عالمياً فريداً سيظل نقشاً خالداً في أروع صفحات التاريخ، فإنّ قصة العمران لم تجعل سموه غافلاً عن روعة الإنسان، بل أبدع علاقة من التكامل بين الإنسان والعمران من خلال مجموعة من المبادرات العالمية التي تهتم بترقية وعي الإنسان وإطلاق طاقاته المبدعة.

وكان من بين أهم هذه المبادرات مشروع «تحدي القراءة العربي» الذي هو أكبر مشروع عربي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ضمن مبادرات محمد بن راشد العالمية، في سياق اهتمامه الصادق بالشخصية المبدعة للإنسان العربي لتشجيع ظاهرة القراءة في أمة كانت أول كلمة نزلت عليها هي «اقرأ»، منطلقاً من فكرة في غاية الوضوح والبساطة والعمق يقول فيها حفظه الله:

«أول كتاب يمسكه الطلاب يكتب أول سطر في حياتهم»، مجسداً بذلك حالة حضارية متفردة في عالمنا العربي، بل وغير العربي، يرعاها بقلبه وعقله ووجدانه، ويوفر لها من مظاهر الرعاية والدعم والاهتمام، ما جعلها المشروع الأكبر في ثقافة العرب المعاصرة.

حيث بلغ عدد المشتركين في هذا التحدي الشريف أكثر من اثنين وعشرين مليوناً من مختلف بلاد العالم، في إشارة إلى عمق تأثير هذا المشروع الريادي، وقوة تأثيره في نفوس الشباب، ونزاهة مساره على مستوى التحكيم والنتائج، مما منحه مصداقية نشهد تجلياتها في هذه المشاركة الضخمة في التصويت ومتابعة فعاليات المشروع بحماسة منقطعة النظير هي خير دليل على نجاح هذا المشروع، وقوة تأثيره، وصدق الرغبة في متابعة فعالياته على امتداد الوطن العربي العزيز.

ثقة وتميز

لقد تابع العالم العربي كله فعاليات نتائج تحدي القراءة العربي في دورته السادسة لهذا العام الذي فازت فيه الطفلة السورية شام البكور، وظفرت بتكريم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي ارتسمت على مُحيّاه النبيل ملامح البهجة والسعادة بهذا الإنجاز الحضاري الكبير الذي ازدانت به دار الأوبرا في دبي، واكتظت بالحضور الذي تابع هذا اليوم بكل حماسة واهتمام، ثم كانت تلك اللحظة العاطفية الكبرى في هذا الاحتفال الكبير، حين قرأت الطالبة مريم أمجون من المغرب الشقيق، وهي الفائزة بالدورة الثالثة للتحدي، مقطعاً عميق التأثير من السيرة الذاتية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً)، يتحدث فيه عن والدته طيبة الذكرى الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان، رحمها الله، «أمّ دبي».

وكان لذلك المقطع أعمق الأثر في نفس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، إذ عادت بسموه الذاكرة إلى تلك اللحظات المفعمة بالحزن حين غادرت هذه السيدة الجليلة حياتنا الفانية عام 1983م.

وقد خلّدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في سيرته بمداد من نزف القلب حين كتب عنها أروع ما يمكن أن يكتبه فارس عن أمّ رؤوم، وكيف أنّ غياب هذه السيدة الجليلة قد أحزن قلب والده الفارس الشجاع واستخرج الدمع من عيونه وهو الرمح الذي لا ينكسر، وكما بكى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد في يوم وداع الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان، رحمها الله، بكى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وسالت دموعه الغالية حين هاجت به الذكريات إلى تلك الوالدة العظيمة التي كتب عنها أجمل فصول سيرته الذاتية التي ينبغي أن تدرسها الأجيال كدرس أخلاقي نادر تستلهم منه أعظم العبر والدروس والأخلاق.

سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد:

فخورةٌ بك دبيّ، وفخورٌ بك الوطن كله، وفخورةٌ بك أمّة العرب والإسلام، وفخورةٌ بك هذه اللغة وهذه الثقافة التي ما خذلتها يا فارس القلم وسيد القصيد والنشيد.

 

 
Email