الطموح المناخي العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في «كوب 27» تجد دول العالم نفسها واقفة على الجبهة ذاتها. لم يعد هناك مجال للقول أو الشعور أو التفكير بأن دولة ما في مأمن من تغير المناخ، أو أن شعباً ما لن يتضرر من آثار التغير المتسارعة والمتفاقمة.

في شرم الشيخ، يجتمع العالم ليبحث ما وصل إليه الحال المناخي، وهو الحال الذي بدأ يكشر عن أنيابه بشكل واضح وعلني وصريح في الأشهر القليلة الماضية، حتى بات مرئياً ومحسوساً من قبل الجميع. هذا التكشير الذي تجسد في أعاصير وفيضانات وجفاف وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة لم يظهر فجأة ذات صباح، بل ظل يعبر عن نفسه على استحياء لعل سكان الأرض ممن في يدهم مقاليد أمور التصنيع والتنقيب وإدارة الموارد الطبيعية يتنبهون ويعقلون ويتوقفون عن تدمير الأرض ومن وما عليها.

لكن في شرم الشيخ أيضاً، حيث مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 27»، يبزغ الحضور العربي ومصالحه ومشكلاته ومعاناته وفرصه المناخية المشتركة. فالعمل المناخي أقرب ما يكون إلى جهود إحلال السلام، أو سياسات مواجهة الوباء. العمل المناخي يمضي تحت مظلة «لن ينجو أحد حتى ينجو الجميع»، وهي المظلة التي تجاهلتها الدول المتسببة بشكل أكبر فيما وصل إليه حال كوكبنا اليوم.

كوكبنا اليوم يطالب بجهود إنقاذ سريعة وحقيقية، وهي الجهود التي تتزامن ومعضلات اقتصادية كبرى تجتاح غالبية دول العالم. عامان من تعثرات وأزمات نجمت عن وباء «كوفيد19» الذي لم يكن على بال أو خاطر، ثم أزمة أوكرانيا التي تمتد آثارها السياسية والاقتصادية والغذائية والاجتماعية إلى عشرات الدول.

العام الماضي في «كوب 26» الذي انعقد بغلاسكو في بريطانيا، كانت قد مضت خمس سنوات على توقيع اتفاق باريس، وهو الاتفاق الذي أبقى هدف الحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية على قيد الحياة، ولكن «بنبض ضعيف»!

ضعف النبض يهدد حياة المريض. والكوكب مريض ونبضه غير مستقر. ومسؤولية الدول الصناعية الكبرى (الكبرى في إشارة إلى مكانة الدول وكذلك حجم مسؤوليتها) عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الآخذ في إلحاق الأضرار المميتة بالجميع تقف في قفص الاتهام المناخي. فعلى الرغم من مسؤوليتها «الكبرى»، إلا أنها الأقل تضرراً مقارنة بالدول الفقيرة والنامية التي هي الأكثر تضرراً والأقل قدرة على مواجهة الآثار الناجمة عن تغير المناخ.

تغير المناخ يلقي بظلال كبيرة على الدول العربية، حتى وإن بقيت غالبية الشعوب العربية بعيدة إلى حد كبير عن الاهتمام الشعبي بقضايا المناخ. فمن يعيش في منطقة صراع منذ ما يزيد على عقد، أو من تدور تفاصيل حياته اليومية حول تأمين لقمة العيش ليوم أو يومين لن يتبقى له الكثير من الوقت أو الجهد للتفكير في المناخ حتى لو كانت تغيراته تؤثر فيه بشكل مباشر.

درجات الحرارة في الدول العربية ترتفع بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي. كما تتضاءل معدلات هطول الأمطار (ضمن مشكلات أخرى)، وهو ما يؤثر سلباً على السلام والاستقرار. ورغم ذلك، فإن صحوة مناخية تعتري دولاً عربية عدة. وبحسب تقارير الأمم المتحدة المناخية، فقد شهد عام 2021 تقديم كل الدول العربية لمساهمات وطنية محدثة شملت تدابير التكيف بالإضافة إلى رؤى محددة نحو تحقيق التنمية منخفضة الانبعاثات.

الرؤى المحددة حين تأتي مصحوبة بخطوات عملية قابلة للتنفيذ وتتوافر لها الإرادة السياسية والرغبة الشعبية تفيد الجميع. وحين تجمع بين الدول لتصبح رؤى جماعية وعملاً مشتركاً، تتعاظم الفائدة وتتسع رقعة من يشعرون بآثارها الإيجابية مباشرة في تحسين حياتهم.

الأثر الضار الناجم عن تغير المناخ على الدول العربية كبير، لكن الطموح العربي المناخي أكبر. كما أن الأجواء المهيأة لقدر أوفر من العمل المشترك أكبر. والوعي العربي بأنه لن ينجو أحد إلا حين ينجو الجميع أوفر مما كان عليه. الفرصة العربية مهيأة في مناسبة «كوب 27» لبناء مجتمعات وأنظمة اقتصادية قادرة على التكيف مع المناخ، وفي الوقت نفسه لديها من الرؤية والإرادة اللازمتين لدمج العمل المناخي مع جهود التعافي من الصراعات العربية والجائحة. كما أن الفقر المزمن في العديد من الدول العربية وثيق الصلة بالفقر المائي المتزايد.

غاية القول أن الدول العربية ضمن أكثر شعوب العالم احتياجاً للعمل المناخي المشترك والتوحد تحت مظلة مبادرات عربية المنبع والرؤية والأهداف، حيث العلاجات المستوردة غالباً لا تؤتي الكثير من النفع.

«كوب 27» اليوم في مصر، و«كوب 28» غداً في الإمارات. وما بين «الكوبين» آمال عريضة ورؤى مشتركة وأهداف متطابقة وعدالة مناخية واحدة وطموح مناخي قادر على صناعة مستقبل مستدام عنوانه الحياد المناخي بقدوم عام 2050.

 

Email