عشاء على شرف «أم كلثوم»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن ليلة عادية تلك التي ابتسم لها نيل القاهرة، احتفالاً بمرور نصف قرن على العلاقات المصرية - الإماراتية، كانت الليلة سعيدة، مصر والإمارات قلب واحد..

حكايات مضيئة، وقصص فارقة تقرأها في عيون الحضور الذين أقبلوا بشغف على مدار 72 ساعة، للمشاركة والتفاعل مع هذه المناسبة الوطنية.. (أم كلثوم في أبوظبي).. دولتان وشعب واحد، القصة ليست حدثاً غنائياً عابراً، إنما هو معنى اللحظة، ودفء التاريخ، وقوة الرسالة في حينها.

على مسرح أحد الفنادق المطلة على النيل، فاضت أمواج شجية لتغمر الحضور بكلمات ليست كالكلمات، وألحان خالدة، تحلق في سماء مغايرة، تطوف بنا في أجواء السبعينيات، حيث قيام دولة الإمارات من ناحية، وأجواء مصرية وطنية كانت تستعد لنصر السادس من أكتوبر من ناحية أخرى.

أتحدث عن الاحتفال الذي شهدته القاهرة، خلال الساعات الأخيرة، بمناسبة مرور نصف قرن من العلاقات التاريخية بين مصر والإمارات، تعددت زوايا الاحتفال، لكنني انطلق من زاوية كوكب الشرق التي أيقظت بداخلنا روح العروبة عبر صوت الفنانة الموهوبة ريهام عبد الحكيم، التي طافت بنا حول كلام من ذهب العروبة، قدمته أم كلثوم في أبوظبي عام 1971، القيمة تكتب الخلود كلمة ولحناً، وما بينهما حنجرة وطنية تعرف صوت النداء، وتسابق الزمن في تلبيته. ما بين عظمة الحاكم، ووطنية سيدة الغناء، سجل التاريخ دعوة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لكوكب الشرق مخاطباً إياها:

«حضرة السيدة الفاضلة كوكب الشرق أم كلثوم المحترمة.. بعد التحية.. إنه لمن دواعي سرورنا دعوة سيدة الغناء العربي الأولى لزيارة أبوظبي، للاطلاع على معالمها عن كثب، ومشاهدة ما حققته من إنجازات خلال فترة وجيزة، كما أنه سيكون مبعث فرح وسرور لنا أن نُمتع الأذن بسماع الصوت الشجي والنغم الجميل، آملين أن يُتاح لكم الوقت للقيام بهذه الزيارة، وذلك بمناسبة العيد الوطني لبلادنا».

نعم.. الدعوة راقية وعظيمة تتسق تماماً مع وحدة الهدف والمصير. فالأجواء آنذاك خلقت فائضاً من الترابط والتماسك العروبي ليس فقط بين الدولتين، بل بين سائر الشعوب العربية.

الآن وبعد نصف قرن من العلاقات بين البلدين، يستضيف نيل القاهرة هذه الحقبة من التاريخ على حفل عشاء على شرف أم كلثوم، ليحكي لنا كيف وقفت مصر أمام العالم لتؤكد دعمها للاتحاد فور إعلانه عام 1971، كما يستدعي هذا الحدث كلمة حكيم العرب التي قال فيها عن مصر:

«نهضة مصر نهضة للعرب كلهم، وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائماً إلى جانب مصر، وهذه وصيتي، أكررها لهم أمامكم، بأن يكونوا دائماً إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم، إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقّف القلب فلن تُكتب للعرب حياة».

نصف قرن مضى على العلاقات المصرية الإماراتية التي مثلت نموذجاً يقاس عليه في العلاقات العربية في ظل ما يجمع البلدين من علاقات قوية وعميقة برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، وشقيقيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

قطعاً.. الشراكة استراتيجية، انطلقت من محددات جوهرية ظلت راسخة وثابتة، تشهد عليها محطات مفصلية في تاريخ المنطقة، ولعل الدعم الإماراتي لمصر، إبان حرب السادس من أكتوبر كان محطة، وموقفاً كاشفاً لأهمية وقيمة مصر في قلب حكيم العرب.

هذا النهج الوطني تجاه مصر سار عليه الأبناء، وتجلى بوضوح خلال ثورة 30 يونيو 2013، التي مهدت لـمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية القائمة على المساندة والتآزر في جميع المواقف.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

 

Email