«القطب الواحد» في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

سوف يسجل التاريخ أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة، التي صدرت عن البيت الأبيض في 49 صفحة تشكل منعطفاً جديداً.

وربما خطيراً في بيئة العمل الدولية، ليس فقط لأن الاستراتيجية الجديدة تصر على أن تظل الولايات المتحدة هي قائدة العالم وصاحبة القطب الأوحد، بل لأن هذه الاستراتيجية تقسم العالم إلى نصفين، الأول معسكر حلفاء الولايات المتحدة السياسيين أو العسكريين، وهو ما تطلق عليه واشنطن «تحالف القيم».

والنصف الآخر هم من تستهدفهم الولايات المتحدة، لأن «مصفوفة القيم» الخاصة بهم تختلف عن «حزمة القيم»، التي تروّج لها واشنطن.

لكن الأخطر في هذه الوثيقة أنها لا تستهدف فقط أكثر من نصف دول العالم، بل إنها تجبر النصف الآخر من العالم «الأصدقاء والحلفاء» أن يستخدموا الأدوات نفسها ويحددوا الأهداف نفسها، حتى تبقى أمريكا هي سيدة العالم، فكيف تنظر الاستراتيجية الجديدة للصين وروسيا والعالم العربي والدول الأفريقية؟ وهل تختلف عن استراتيجيات الأمن القومي خلال العقود الأخيرة؟

تحول دراماتيكي

التحول الذي تحمله استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، تشبه التحول، الذي بدأ في ديسمبر عام 2018 في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وحتى ديسمبر 2017 كانت الاستراتيجية الأمريكية تركز على ما تسميه بالحرب على «الإرهاب الراديكالي»، لكن مع تولي الرئيس ترامب الحكم عام 2017 تخلى جزئياً عن قضية الإرهاب.

واعتبر الصين وروسيا «المنافسين الاستراتيجيين» للولايات المتحدة على الساحة الدولية، ورغم التباين في النظرة الأمريكية لكل من الصين وروسيا، إلا أن واشنطن وضعت منذ عام 2018 كلاً من بكين وموسكو في «سلة واحدة»، وتجدد هذا الأمر في «الدليل المبدئي» لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، التي صدرت في مارس 2021، حيث ظلت تنظر الولايات المتحدة لروسيا والصين باعتبارهما المنافسين لها على الساحة الدولية.

أوكرانيا تغير العالم

كان من المفترض أن تعلن واشنطن استراتيجيتها للأمن القومي في أواخر ديسمبر الماضي، لكن بداية من 19 ديسمبر بدأت التقييمات المخابراتية تقول: إن روسيا سوف تدخل إلى أوكرانيا، وهو ما حدث في 24 فبراير الماضي، وبعد مرور نحو 8 أشهر على الحرب في أوكرانيا، ترى التقييمات الأمريكية أن روسيا تراجعت عن مكانتها «كمنافس» لواشنطن على الساحة الدولية، ولهذا ترى الاستراتيجية الجديدة أن روسيا هي أقل الدول الكبيرة الفاعلة عندما يتعلق الأمر بالصين والهند واليابان، وهو انعكاس لما تقوله الصحافة الأمريكية:

إن روسيا ما هي إلا «دولة إقليمية كبيرة»، وهي مجرد «محطة بنزين» مدججة بالأسلحة النووية، وربما يعكس هذا التصور «الأماني الأمريكية» بهزيمة روسيا وربما تفكيكها وانهيارها بنهاية حرب أوكرانيا. وتظل الصين هي الخطر الأكبر على الولايات المتحدة في الاستراتيجية الجديدة، حيث تراها «التحدي الوحيد» سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً، ولهذا تعتمد استراتيجية واشنطن على «توظيف الحلفاء» ضد الصين.

وهذا واضح في تحالفات مثل «أوكوس»، الذي يضم بجانب الولايات المتحدة كلاً من بريطانيا وأستراليا، و«كواد الرباعي»، الذي يضم مع واشنطن كلاً من نيودلهي وكانبرا وطوكيو، وتحالف «العيون الخمس»، الذي يضم أمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، لكن الجديد أيضاً في الاستراتيجية الأمريكية أنها لا تفصل بين ما يحدث في أوروبا وبين ما تراه خطراً صينياً في منطقة الإندو – باسيفك.

العرب والأفارقة

تكرر استراتيجية الأمن القومي الأمريكي رؤية الديمقراطيين، التي يسوقون لها منذ عهد باراك أوباما في ما يتعلق بالشرق الأوسط، وهي فكرة تقوم على ضرورة اعتماد هذه الدول على نفسها من خلال التقارب في ما بينها، وهو تصور يخفي الرغبة الأمريكية في «التخارج» التدريجي من الشرق الأوسط، لكن ربما أخطر ما في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي هي نظرتها الجديدة للدول الأفريقية من منطلق «جيو- سياسي».

 
Email