شاع مصطلح التمكين بصورة كبيرة في وسائل الإعلام وأدبيات الإدارة منذ مطلع الستينيات، والهدف من ذلك تقليل سطوة معشر الرجال ‏الذين كانوا ‏يسيطرون على مفاصل بيئة العمل. فكان الرجل هو الذي يدير لجان التوظيف، وهو الذي يقرر، ويأمر، وينهى، في حين كانت المرأة تشغل وظائف محدودة كالتمريض أو التعليم ‏وغيرها.

ومع تطور المجتمعات وتنامي اقتصاداتنا استوعب الرجال حاجتهم إلى تمكين النصف الآخر من المجتمع في وظائف مهمة. فانخرطت المرأة في سلك الدبلوماسية والسياسة والهندسة والصيدلة وغيرها حتى صارت تنافس ‏الرجال، ليس في ميادين العمل فحسب بل حتى في مقاعد القبول في الجامعات وقوائم المتفوقات في شتى المراحل التعليمية.

‏غير أن هذا التمكين لم يسعفها في الوصول إلى المناصب العليا وهذه الأزمة تعاني منها الدول الغربية والعربية على حد سواء. فما زالت ‏مناصبها القيادية محدودة وكل ما تجولت في مواقع البنوك والشركات الكبرى لا تكاد تجد تمثيلاً حقيقياً يمثل المجتمع، الأمر الذي دفع موجات جديدة من المطالبات المجتمعية والرسمية لتمكين المرأة.

‏شخصياً لا أرى أن التمكين مقصور على المرأة، فهناك شرائح عدة في المجتمعات ما زالت تحتاج إلى مزيد من التمكين. فالتمكين حسبما تعرفه الأدبيات هو منح مزيد من السلطة والمناصب والقوة والمهارات المناسبة ليقوم المرء بدوره الفاعل في المجتمع.

فما زالت تعيش بيننا أقليات لا تحظى بالتقدير المطلوب. ‏وما زال يعاني بعضنا كرجال من تركز السلطة في يد حفنة من المتسلطين أو المتزلفين في شتى قطاعات الدولة العامة والخاصة.

وحتى لا يقع الفأس في الرأس ثم نكتشف أنه بعد عقود من «إنشائيات كلامية» ‏كما حدث مع المرأة لابد أن نبدأ فعلياً في تحديد حاجات مؤسسات المجتمع ككل من الكوادر التي تحتاج قرارات حقيقية لتمكينها.

والتمكين الحقيقي هو عندما يقرأ المرء مانشيتات الصحف ليجد أن قرارات الدولة صارت تضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وأن الدولة بدأت تنافس القطاع الخاص في تعيين الأكفاء المشهود لهم بالأمانة والنزاهة والخبرة ليس لمدى قربهم أو بعدهم من متخذ القرار وإنما لقوة مؤهلاتهم.

ولا يمكن أن يستمر الشخص المناسب إذا ما وجد التمكين مجرد سراب ليس موجوداً سوى في «الحشو الإعلامي» وحفلات التطبيل. عندما لا يختلف اثنان على أن هذه الكفاءة سوف تمنح كل الفرص الممكنة للنجاح هنا نستطيع القول إننا بدأنا بالفعل بتمكين الكوادر البشرية. فمن دونها لا يمكن أن تقوم لنا قائمة في هذا العالم.

الحضارات بنيت على أكتاف المتفانين الذين وجدوا من يمنحهم السلطة والمهارات اللازمة لخوض غمار التطوير والتحسين وفق رؤية واقعية تأخذنا جميعاً نحو حياة أفضل.