«حكايات أهل الفن»

قصة شائعة تهريب «العندليب» للعملة

ت + ت - الحجم الطبيعي

غني عن البيان أن الفنان الراحل عبدالحليم حافظ (1929 ــ 1977) لمع نجمه وبدأت مسيرته الفنية الحقيقية بعد قيام ثورة يوليو، التي صار ناطقاً باسمها ومنافحاً عن مبادئها وشعاراتها وممجداً لشخص زعيمها من خلال تقديم الأغاني الوطنية المتتابعة والتي بدأها بنشيد «العهد الجديد» بالاشتراك مع عصمت عبدالعليم (نظم محمود عبدالحي وألحان توفيق عبدالحميد زكي).

والذي كان ترجمة غنائية لشعار «الاتحاد والنظام والعمل» الذي نادى به الرئيس محمد نجيب، ثم أغنية «وفاء» (كلمات محمد حلاوة وألحان محمد الموجي).

فأغنية «بدلتي الزرقا» (كلمات عبدالفتاح مصطفى وألحان عبدالحميد توفيق زكي)، ثم أغنية «ثورتنا المصرية.. أهدافها الحرية، وعدالة اجتماعية، ونزاهة وطنية» (كلمات مأمون الشناوي وألحان رؤوف ذهني)، وصولاً إلى العلاقة القوية التي ربطته بالشاعر الغنائي محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي الشهير بـ «صلاح جاهين» .

والتي أثمرت عن ميلاد نحو 15 أغنية ثورية حماسية مثل: «إحنا الشعب»، «بالأحضان»، «صورة»، «المسؤولية»، «بستان الاشتراكية»، «يا أهلاً بالمعارك»، وغيرها من تلك التي وصفها الملحن كمال الطويل بـ «المنشور السياسي»، قبل أن ينكفئ جاهين على نفسه ويهجر نظم الشعر ويغرق في حالة من الاكتئاب بـُعيد هزيمة يونيو 1967م، وحتى تاريخ وفاته عام 1986.

استطاع حليم بذكائه وجاذبية صوته ودعم القيادة الناصرية له ووقوف ثلة من الشعراء والملحنين المؤيدين لثورة يوليو خلفه، ناهيك عن شكله الفيزيائي وقصة طفولته اليتيمة وحكاية صحته المعتلة أن يتحول سريعاً إلى أيقونة جماهيرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

وبالتزامن فإن أفلامه الرومانسية المتشابهة التي تقمص فيها دائماً دور الشاب المكافح المستضعف الكاتم لأحزانه من فراق أو هجر الحبيبة، وأغانيه العاطفية المؤثرة التي كان يغني فيها نيابة عن كل العشاق حققت له شعبية مضاعفة إلى درجة أن توجيه أدنى نقد له كان يواجه بالسخط، بل إلى حد أنه كان شخصياً يرى في نفسه، رحمه الله، فناناً يجب أن تكون له الأولوية، كونه ابن الثورة والنظام.

وما حكاية اصطدامه بالسيدة أم كلثوم في حفلة عيد الثورة سنة 1964 حول أولوية الظهور على المسرح إلا مثال على ذلك.

علماً بأن خلافه هذا مع كوكب الشرق تمت تسويته فيما بعد بأوامر عليا، بعد أن ظل حليم مدة من الزمن رافضاً تقديم الاعتذار وهو يردد «أنا صاحب الحفلة.. أنا ابن الثورة.. أنا كرامتي قبل فني» طبقاً لما ذكره مفيد فوزي في الصفحة 120 من كتابه الموسوم «حليم»، والذي ورد فيه أيضاً أنه (أي المؤلف) هو من أطلق على عبدالحليم حافظ لقب «العندليب الأسمر».

على أن كل هذا لم يمنع انتشار شائعات تتهمه بتهريب العملة، وبالتالي صدور قرار في عام 1966 من رئيس الوزراء آنذاك زكريا محيي الدين بمنع إذاعة أغانيه. وحول هذا الموضوع كتب طبيبه الخاص الدكتور هشام عيسى في كتابه الصادر عن دار الشروق القاهرية تحت عنوان «حليم وأنا» قائلاً:

«كان الاتهام مضحكاً، وإنْ كان له ظل من الحقيقة. فحليم كان شريكاً في ملكية مصنع للإسطوانات في اليونان، وكان هناك العديد من أسر الطبقة التي هاجرت من مصر بعد ثورة يوليو 1952 تطلب منه بعضاً من النقود ويدفعون له مقابلها في مصر، فاعتبرت أجهزة الأمن أن مثل هذا الفعل هو تهريب للنقود».

وبقية القصة تفيد أن الرئيس عبدالناصر تدخل شخصياً لصالح حليم، فأمر وزير إعلامه آنذاك الدكتور عبدالقادر حاتم بإعادة صوت حليم إلى الإذاعة المصرية قائلاً:

«ليس من المعقول أن تذيع إسرائيل أغاني حليم من إذاعاتها ولا يجدها المصريون في إذاعتهم»، كما أن وزير الداخلية في تلك الفترة شعراوي جمعة كان له موقف ممائل، إذ يقال أن حليم اتصل به شاكياً فسمع منه جملة أسعدته كان نصها: «ليس من المعقول أن تقدم مصر مطرباً يعبر عن ثورتها إلى محاكمة من هذا النوع»، ويقال أن حليم شكر الوزير، مؤكداً له محبته للرئيس وتأييده للثورة وقراراتها.

 

Email