المواطنة الرقمية قيم ومبادئ

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع التطور التكنولوجي الهائل في العصر الحديث، وظهور العالم الرقمي بكل ما فيه من أدوات ووسائل، أصبحت الحاجة ماسة إلى تعزيز الهوية الرقمية الإيجابية في المجتمعات، والتي تعكس قيم المواطنة الصالحة ومبادئ الاستخدام المسؤول والرشيد لأدوات التكنولوجيا الحديثة، وخاصة مع بروز منصات التواصل الاجتماعي بأشكالها المتعددة، واحتدام التنافس بين الشركات المالكة لها، وسعي كل منها إلى جذب المشتركين من خلال إتاحة ميزات وتسهيلات عديدة، مما أدى إلى مزيد من الغوص في هذا العالم الرقمي، من قبل الكبار والصغار.

ويزداد الاحتدام في هذا العالم مع ارتباط هذه المنصات بالجانب التجاري والمادي، حيث يعتبر بعض المشتركين هذه المنصات وسيلة لكسب المال، فيسعون إلى جذب المتابعين من خلال تقديم المحتوى الجاذب والمثير، وقد يشتط البعض فلا يبالي بأن يكون المحتوى إيجابياً أو سلبياً، بقدر ما يهتم بتكثير المتابعين ولو بالمحتوى الذي لا قيمة له، وبمقدار ما في بعض المحتويات من فوائد فإن كثيراً منها ذات مضامين غير هادفة.

إن هذا الواقع يقتضي من الأسرة والمربين والمثقفين وغيرهم أن يعززوا المواطنة الرقمية الصالحة، ويكرسوا قيمها ومبادئها، ليحسن الكبار فضلاً عن الأبناء التعامل الرشيد مع العالم الرقمي، وخاصة ما يتعلق بالمنصات الاجتماعية.

ومن هذه القيم المهمة على مستوى أصحاب الحسابات والمدونين والمتفاعلين العناية بالسمعة الرقمية الإيجابية، سواء باعتبار الشخص ممثلا عن نفسه وذاته، أو باعتباره عضواً في أسرته ومجتمعه ووطنه، أو باعتباره فرداً في المجتمع الإنساني الأكبر، فلا يعكس عن نفسه فيما يقدم من محتوى أو تعليق إلا السمعة الطيبة، بانتقاء أفضل الجمل والعبارات، ونشر ما فيه الفائدة والنفع، وتقييم المحتوى قبل تقديمه، والتأكد من سلامته فكرياً وأخلاقياً وعلمياً، بحيث يكون المحتوى معبراً بحق عن رقي مجتمعه وما فيه من ثقافة رصينة وحضارة راقية وتقدُّمٍ فكري وأخلاقي وعلمي.

ومن القيم والمبادئ المهمة في هذا الباب، والتي تسهم في تعزيز المواطنة الرقمية الصالحة التحلي بالحرية الرشيدة المسؤولة المنضبطة، والتي تراعي حق الإنسان في التعبير والحريات المصونة، كما تراعي الجانب القيمي باعتبار الإنسان كائناً حضارياً مكرماً، يتميز عن غيره من الكائنات بالسمو الأخلاقي والوعي الرشيد، ومتى ما انفك هذا عن هذا انحدر الإنسان عن طبيعته الإنسانية الراقية، ولذلك فإن تفسير الحرية بأن يفعل الإنسان ما يشاء هو تفسير مغلوط غير متوائم، فكيف يكون الإنسان حراً بكل ما في هذه الكلمة من معنى إذا كان مقيداً ومكبلاً بأغلال انفعالاته ورغباته وهواه، ينساق وراء كل ما يريد دون ميزان ولا تفكير؟! إن الإنسان لا يمكن أن يكون حراً إلا إذا تتحرر من القيود التي تهوي به بالانتقاء العقلاني الموزون للأفكار والرغبات، وهو ما يوضح خطورة ما يتم ترويجه في هذه الفترة مع انفجار بوابة العولمة الرقمية من المفاهيم المغلوطة للحريات، وصولاً إلى تفسير الحرية بالانسياق المطلق من قبل الفرد لأي رغبة مهما كانت طبيعتها، ولو كانت شذوذاً فكرياً أو أخلاقياً أو سلوكياً، دون أي معيار، ولأي عاقل أن يتساءل: هل هذا التكوين الذي يستهدف بناء أجيال إنسانية لا تُلقي بالاً لعقل أو منطق في تصرفاتها الشخصية سيقود البشرية إلى بناء حضارات مزدهرة أم يقود إلى تدهورها وانحطاطها؟! وهل يكرس هذا البناء قيم التسامح والتعايش والتكافل بين الجنس البشري أم يكرس الأنانية وإطلاق النزوات والصراعات؟!

ومن القيم المهمة كذلك تجاه العالم الرقمي المحافظة على الصحة الجسدية والنفسية، والموازنة بين العالمين الواقعي والافتراضي، وضبط الوقت الذي يستخدمه الإنسان مع الأجهزة الإلكترونية، والحذر من الإدمان الرقمي أو الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة، وخاصة من قبل الأطفال، بمتابعتهم، والتأكد من حسن استخدامهم للتكنولوجيا الحديثة، وتحصينهم من كل ما يستهدفهم، وحمايتهم من كافة المهددات والأخطار.

لقد اعتنت دولة الإمارات بقيم المواطنة الرقمية الصالحة، وسنت العديد من القوانين لتكريس التعامل الرشيد مع التقنيات الحديثة، والتحذير من الجرائم الإلكترونية المتنوعة، مواكبة للمتغيرات بشكل حضاري راقٍ، والتصدي لمختلف الأخطار التي تهدد المجتمع والأفراد، بما في ذلك التطرف والإرهاب وما ينافي القيم الأصيلة والمبادئ القويمة.

Email