مقالب مكان العمل.. ترياق للإحباطات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يروي أحد البريطانيين العاملين في شركة خاصة، أنه بعد سيل متكرر من التعنيف اللفظي، عليّ أن أعترف أنني وضعت، في مناسبتين، مادة مزعجة للمعدة في كوب شاي مديرتي عند استراحة شاي الضحى. وكانت النتيجة أنها تغيبت بقية اليوم على الأقل «في إحدى المرتين غابت يومين»، فارتحت منها قليلاً، ومنحتني أنا وزملائي بعض الهدوء.

وفي حالة أخرى من حالات الانتقام الخفيف في مكان العمل، قرر مساعد المدير أن يتغيب عن العمل، دون سابق إنذار، في اليوم الذي كان مقرراً فيه أن يناقش هو والمدير التنفيذي تقريراً مهماً. كان مديره قد دأب على نسبة التقارير التي كتبها مساعده إلى نفسه، ولكن اليوم حان وقت الانتقام. ترك المدير محرجاً لا يستطيع الرد على أسئلة المدير التنفيذي الاستقصائية.

وأما الحالة الثالثة المشابهة فهي أنه بعدما طردت وكالة لبيع السيارات في تكساس عام 2010، أحد موظفيها، واسمه راموس لوبيز، بشكل مفاجئ، استخدم لوبيز معرفته بدقائق الأمور واخترق التكنولوجيا الخاصة بتعطيل المركبات في الشركة، ما أدى إلى تعطيل 100 سيارة عن بُعد في كل أنحاء مدينة أوستن بتكساس، كما نقل بعض عقود الإيجار إلى حساب مغني راب متوفى. وهذه الحالة تشابه إلى حد كبير ما فعلته دايان كوبريفج التي وصفت بعد الحادثة بـ«المنتقمة المبدعة». فبعد أن أحست دايان بالصعقة حين فصلتها كلية الفنون البصرية في نيويورك عام 2002، نشرت إعلاناً خيالياً مقنعاً على موقع إلكتروني لتقديم طلبات الوظائف لمنصب مدير الموارد البشرية «عدوها اللدود» بالكلية. وزيادة في النكاية به، سجلت اسمه أيضاً في مواقع إباحية عدة. 

كثير من هذه الحالات المختلفة في أسلوب تنفيذها، وميدانها مكان العمل، يدرجها البروفيسور ستيفن فاينمن، مؤلف كتاب «الانتقام: موجز في القصاص» في قائمة «الانتقام منخفض المستوى». ما يؤشر على أن هنالك انتقامات ذات مستويات مختلفة. وفاينمن يحاجج أن الانتقام غريزة راسخة في التاريخ والنفس البشرية، وقد تحرك هذه الغريزة مشاعر الأسى، أو الإهانة، أو الحنق، الناجمة عن الظلم وحب الانتصاف من الظالم المعتدي. ويرى أن للانتقام غايات نفسية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية بطبيعة الحال، كأن تكون غاية الثأر رد الاعتبار، وإثبات الذات، وحماية الممتلكات. بيد أن للثأر الفردي عيوباً، إذ يراه فوضوياً وغير مقنن، لذلك كان لزاماً تدخل سلطة عليا هي «الدولة» حين راحت المجتمعات البشرية تتوسع وتتحضر، فأقرت نظاماً قضائياً لرد المظالم، وإعادة الحقوق لأصحابها، وحدت من التصرفات الفردية في هذا المنحى.

ويختار الكتاب الصادر عن مشروع «كلمة» بأبوظبي أمثلة بمراكز الاتصال العامة كوسيلة مألوفة، وإن كانت محبطة لممارسة الأعمال التجارية، بحسب قوله، ففي حين يتعرض الموظف على الطرف الآخر من الخط لكل أنواع المعاملة المختلفة من الزبائن رغم تسليحهم بنصيحة مفادها «عدم أخذ الإساءة شخصياً» وأن «يبتسموا على الهاتف»، إلا أن الأمور قلما تسير وفقاً للخطة. عادة ما يكون مكان العمل مفتوحاً، بحيث يمكن مراقبة العاملين وتتبع أدائهم ومراقبة المكالمات بشكل دوري. يصف أحد الموظفين السابقين في مركز للاتصال، كيف اضطر إلى ترك عمله بعد 10 أشهر، لأنه شعر بالاكتئاب الشديد بسبب الغيظ الذي سببته معاملة الزبائن له في أحيان كثيرة. ويقول: تتبلد أحاسيسك بمرور الوقت، لكن تقبل الإساءة طوال اليوم وكل يوم وأنت تجهد للقيام بعملك، يستنزفك استنزافاً فظيعاً. تتعرض لضغط هائل لتحقيق الهدف المطلوب. ويتعذر على الموظفين «ألاّ يأخذ الإساءة شخصياً» عندما يسيء الزبائن معاملتهم، لذلك ينتقمون خفية بجعلهم ينتظرون لفترات طويلة على خط الهاتف، أو أن يقوموا بتحويلهم عمداً إلى القسم الخاطئ، أو بإخبارهم أن مشكلتهم قد حلت وهي لم تحل.

ويعرض البروفيسور فاينمن لمجال آخر من مجالات العمل هو رحلات الطيران. إن عالم الطيران يحاول أن يحقق شعاراً عاماً بات مألوفاً لدى كل المسافرين في العالم، صكته أو ما صكته الخطوط الجوية البريطانية، يقول «عندما تبتسم، يبتسم العالم بأسره معك». في حين شدد إعلان لشركة طيران آسيا الماليزية على أن تكون «الابتسامات التي لا تنضب» شرطاً أساسياً للغاية أي الوظيفة. إن عالم الطيران بمضيفاته المشرقات المبتسمات، هو عالم من العمل العاطفي، لا ضرر منه ويفيض فرحاً، لكنه في الواقع قد يكون كل شيء إلاّ بالنسبة للعاملين فيه. ويضرب المؤلف مثالاً بخبيرة ضيافة جوية ألفت كتاباً واسمها آرلي هوكسجايلد التي روت: سأل رجل أعمال شاب مضيفة طيران لماذا لا تبتسم؟ ففاجأه ردها: دعني أقل لك. ابتسم أنت أولاً، ثم سأبتسم. ابتسم لها رجل الأعمال، فقالت له: أحسنت. والآن اجمد، وحافظ على تلك الابتسامة مدة 15 ساعة. ثم تولّت عنه.

Email