يواجه العالم اليوم تحديات كثيرة، تتعلق بالماء والغذاء والطاقة وغيرها من الموارد، نتيجة لأسباب عدة، من أبرزها الصراعات المحتدمة بين بعض الدول والتي أثرت سلباً على الأمن الغذائي العالمي، وأدت إلى أكبر ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع منذ سبعينيات القرن الماضي، ومنها كذلك التغير المناخي الذي يشهده كوكبنا، وما يتضمنه من ارتفاع عام في درجات الحرارة ونقص في هطول الأمطار، مما يسهم في زيادة حالات الجفاف ونقص المياه حول العالم، وتُنذر التقارير العالمية بتأثر كثير من المجتمعات بتداعيات هذه الأزمة على مدى العقود المقبلة، وخصوصاً المجتمعات الفقيرة التي تعاني في الأساس من نقص الموارد الطبيعية.
هذه المعطيات تتطلب جهوداً عالمية متضافرة لاحتوائها والتغلب عليها، كما تتطلب جهوداً على مستوى الدول والمجتمعات، وكذلك تمتد المعالجة إلى مستوى الأفراد، بتحليهم بمبدأ حفظ النعمة، وتعزيز ذلك في حياتهم ثقافة وسلوكاً، سواء فيما يتعلق بالمحافظة على نعمة الماء، أم الغذاء، أم الكهرباء والطاقة، أم سائر الموارد، وهو أمر واجب بقطع النظر عن الأزمات الحالية، فتعاليم الإسلام الحنيف تأمر بالاعتدال في كل شيء، وترك الإسراف والتبذير، ولو كانت الموارد فائضة، فكيف إذا كانت شحيحة، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف يا سعد؟» قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جار».
إن هذه التربية النبوية العظيمة على حفظ النعمة وعدم هدرها يغرس في النفوس مبدأ حس المسؤولية تجاه الموارد الطبيعية، والاعتدال في استخدامها، والعمل على استدامتها، وإبقائها للأجيال القادمة، وقد حذر الإسلام من الإسراف أشد التحذير، لما فيه من الاستهلاك المفرط للنعم والموارد فوق مقدار حاجة الإنسان، وخروجه عن نمط التصرف الرشيد، وتعوده على سوء إدارته للأمور وخصوصاً ما يتعلق بالمصالح العامة من دون وعي رشيد ولا مسؤولية، قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}، فقد هدد الله تعالى المسرف بحرمانه من محبته، تنبيهاً على خطورة هذا الفعل، وانعكاساته السلبية على حياة البشر.
ومن مقتضيات ذلك قيام الأسر بدورها في غرس ثقافة حفظ النعمة بين أفرادها، وترجمة ذلك إلى سلوك عملي مستدام، وتعزيز الاتجاهات الإيجابية لدى الأبناء فيما يتعلق بالبيئة والمحافظة عليها وعلى مواردها، ليكون ذلك راسخاً في وجدانهم.
ومن المبادئ المهمة في هذا الباب، والتي لا يستغني عنها أي، فرد مبدأ تقدير النعمة، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في سيد الاستغفار: «أبوء لك بنعمتك عليّ» أي: أعترف بنعمتك وأقرُّ بها، ومتى عرف الأبناء قدر النعمة حافظوا عليها، وأحسنوا استخدامها، بل وأحسوا بها واقعاً في حياتهم، فذاقوا حلاوتها، فكانوا في سرور واطمئنان، ومما يعزز ذلك التأمل في حال من حرموا هذه النعم من أمم الأرض وشعوبها، كما جاء في الحديث النبوي: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم».
ومن المبادئ التي يحتاجها كل فرد القناعة، وهي الغنى الأكبر كما قيل، وهي الرضا بما قسم الله تعالى، والنفس غير القانعة مهما أوتيت من كنوز الأرض ولو ملكت الدنيا وما فيها فإنها لن تشبع، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع» أي لا تقنع بما آتاها الله تعالى، والقناعة تعالج كثيراً من المشكلات، ومنها الإفراط في النزعة الاستهلاكية، وفقدان القدرة على الإنفاق الرشيد، والانسياق وراء شراء الأشياء من المتاجر والأسواق العامة دون حاجة ولا تخطيط مسبق، وتقليد الآخرين أو منافستهم على امتلاك ما لا حاجة إليه، وفي الحديث الشريف: «ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس».
ومن المبادئ الأساسية التي لا غنى عنها لديمومة النعم، مبدأ الاعتدال والتوسط، واستعمال الأشياء على قدر الحاجة، مهما كان عندك من فائض وزيادة، ومن صور ذلك الاستخدام المتوازن للماء والكهرباء في المنازل، وكذلك سائر النعم والموارد، وتربية الأبناء على ذلك، ليعرفوا قدر النعم، ويحافظوا عليها، ويترجموا ذلك في حياتهم ثقافة وسلوكاً.