أفكار.. شكلت عالم اليوم

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتبر القرن الـ 18، من دون القرون السابقة واللاحقة، قرناً متميزاً على المستويين السياسي والفكري، وذا أهمية استثنائية بالنسبة لأوروبا، والغرب عموماً، ففي هذا القرن وقبله بفترة ولدت عدة أفكار كبيرة ذات طابع سياسي واقتصادي واجتماعي، شكلت بمجملها خارطة طريق واضحة المعالم، ومكتملة العناصر، وقابلة للتنفيذ، كما رآها حينذاك القادة السياسيون الغربيون في تلك المرحلة الحاسمة من التاريخ، وما أن توفرت الإرادة والقوة والإمكانية وما يلزم من إمكانيات، بحلول القرن الـ 19 حتى بدأ بتنفيذها بجزئين، الأول داخلياً، اقتصر على المجتمعات الأوربية نفسها، وفيما بينها، والثاني خارجياً، كان ميدانه مناطق نفوذ الدول الغربية، وهي المستعمرات، وما جاورها من نطاقات محتمل أن تصبح في دائرة نفوذهم السياسي والاقتصادي والثقافي. 

تلك الأفكار الكبيرة) يمكن إجمالها بـ 5 أفكار، هي الأهم على الإطلاق بين باقي الأفكار التي ولدت في ذلك القرن المتفرد، الذي أعقب عصر النهضة في أوروبا، الذي امتد على القرن الـ 15 والـ 16 والـ 17، وأميزها كان العصر الوسيط، الذي خرجت فيه أسماء، منها وليم شكسبير، وميغيل سرفانتيس، ومايكل انجلو، وليوناردو دافنشي، وغيرهم. تلك الأفكار الـ 5 التي دفع بها 5 مفكرين، شكلت الأركان الأساسية التي قام عليها البناء الفكري الغربي، الذي حكم العالم على مدى 300 عام وإلى اليوم، ويراد له الاستمرار إلى قرون مقبلة. هذا البناء الفكري الغربي، وهو المرجع الأول والأساسي، لا يمكن لأحد أن يفهم مضمون السياسة الغربية، القديمة والجديدة، وممارساتها العملية على الأرض، ما لم يطلع على هذه الأفكار الـ 5 تحديداً، ويعرفها. فما هي تلك الأفكار، ومن هم أصحابها؟

هؤلاء المفكرون الذين باتوا مشهورين، يعرفهم العالم أجمع، هم على التوالي: ميكافيلي، الفيلسوف الإيطالي المتوفى في القرن 16، ألف كتاب «الأمير» في الفقه السياسي، ونشر بعد وفاته بقرنين، قال فيه: السياسة لا تخضع للأخلاق، والغاية تبرر الوسيلة. 

وأما المفكر الثاني فهو تشارلز دارون، العالم النفساني البريطاني، توفى في القرن 19، وألف كتاب «أصل الأنواع»، وقال فيه: البقاء للأصلح. 

وأما كارل ماركس الفيلسوف والاقتصادي والمؤرخ الألماني، المتوفى في القرن 18، فألف كتاب «رأس المال السياسي»، وقال فيه: إن المحرك للتاريخ هو التناحر والصراع الطبقي. وألف نيتشه، الفيلسوف الألماني، المتوفى القرن 19، كتاب «هكذا تحدث زراديشت» وجاء فيه: إن الأخلاق ليست سوى اختراع الضعفاء، فلنكن حرباً على الأخلاق، وإن القضاء على العدل والأخلاق، وترك العنان لطبيعتنا لتفعل ما تشاء، ولو أدى ذلك إلى أن تسير على الجماجم. وأما المفكر الـ 5 فهو الطبيب النفساني سيغموند فرويد النمساوي، المتوفى في الربع الأول من القرن الـ 20، ونشرت له عدة كتب، ومن أقواله: إن الغريزة هي المحرك الأول للإنسان والكائنات كلها. وتخلص هذه الأفكار الالمقتضبة قدر الإمكان، إلى مشتركات تربط فيما بينها، بعل أبرزها( الصراع والتناحر، اللا أخلاق، المادية، والمصلحة البحتة)، بتعبير آخر، نقتبسه من المفكر المغاربي الدكتور محمد طلابي:(إن هذا البناء الفكري الغربي يقوم على (الربح بلا حدود، النمو بلا حدود، الاستهلاك بلا حدود، الحرية بلا حدود، استغلال الطبيعة بلا حدود، إدارة القطاع الخاص بلا حدود).

 في الختام، يجد المرء نفسه متأملاً لما قاله المرحوم المفكر علي عزت بيجوفيتش، أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك، في كتاب له سمّاه العلاقة مع الغرب، ربما فيه شيئاً من المواساة، قال: (عندما أقف على الأبعاد الفكرية المحركة للإنسان الغربي، أشعر بالقشعريرة، وبالشفقة. إن هذا التصوّر خطير عن الحياة والإنسان في عالم اليوم).

Email