نابليون لجوزفين.. وداعاً يا عذابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

فيليب سوليرز، كان أديباً ومفكراً فرنسياً، كان الأدب شعراً ونثراً ديدنه، وكان مكثراً في إنتاجه على عكس الآخرين من الشعراء الفرنسيين المعاصرين له حينذاك، ممن تهجّم عليهم، ولم يستثن منهم أحداً من هجائه وتهكمه، كما ذكر ذلك نقاد عصره. سوليرز الذي وصل باريس في العشرين من العمر أو يزيد قليلاً، قادماً من مدينته «بوردو» الشهيرة بالعنب والحب، منحدراً من أسرة صناعية غنية، ما جعله غير مضطر للبحث عن عمل لكسب الرزق أو المعيشة. باختصار، لم يكن من المعذبين في الأرض، بل كان سعيداً ولا يزال، وهو قد تعدّى الآن الثمانين، يذرع الحياة طولاً وعرضاً.

كان الفتى منبهراً بمفكري الأنوار عند وصوله لباريس، قبل أن يقلب لهم جميعاً ظهر المجن، بعدما رأي في أغلبهم أنهم لا يمتلكون موهبة أصيلة. وحدث أن وافق المفكر جان بول سارتر - نجم المرحلة وقتذاك - على مقابلة سوليرز في شقته بباريس، امتدت جلستهم لساعتين، ليخرج بعدها سوليرز متبرماً لعدم إعجابه بسارتر، لكنه في الوقت ذاته، تشكك أن عدم الإعجاب ربما كان متبادلاً بينهما معاً؛ إذ سمع سارتر يقول له عند عتبة الباب: الأفضل أن نلتقي في الشارع عن طريق الصدفة!.

الكاتب الأمريكي الساخر «مارك توين» 1835 ـ 1910، أرسل على سبيل الدعابة، رسالة قصيرة لعشر شخصيات مهمة في أمريكا، ممن كان على علاقة بهم، يقول لهم فيها: أهرب، لقد اكتشفوا أمرنا، وفي صباح اليوم التالي اكتشف بعد التدقيق على أماكن وجودهم، أنهم جميعاً خارج البلاد. ما قد يعني حالاً كهذه، أنهم كانوا جميعاً مشتركين في أمر مريب قد يكون مخالفاً للقانون، أو خارجاً عليه، أو أن المجتمع الأمريكي البسيط، في تلك المرحلة الزمنية، كان يستنكره ويدينه. ولعله هذه الدعابة تذكرنا بالمثل العربي الذي يقول: كاد المريب أن يقول خذوني. فهؤلاء جميعاً، كما يبدو، كانوا من المريبين، فطلبوا السلامة خوفاً من سيف العدالة. ترى، كيف كان سيكون الحال فيما لو تكرر إرسال مثل هذه الرسالة في العصر الراهن، في بعض المجتمعات المعاصرة؟

القائد الفرنسي نابليون بونابرت، قرن اسمه بالثورة الفرنسية التي استغرق حراكها 10 سنوات، حيث انتهت بتصدير الدولة الحديثة إلى العالم، دولة المؤسسات، التي شرعت قوانين لم تكن مسبوقة من قبل، على المستوى الإنساني والحقوقي، للطبقة المتوسطة المتحالفة مع الطبقة العاملة في فرنسا. هذا القائد، الذي له ما له من نجاحات وإنجازات، وعليه ما عليه من فشل وتجاوزات مأساوية، لم يغفلها التاريخ المعاصر. كثيرون لا يعلمون عن الجانب العاطفي لهذا القائد، فقد كان نابليون عاشقاً كبيراً لسيدة باريسية تدعى جوزفين، التي سرعان ما عقد قرانها عليها في العام 1796، ودام زواجهما لـ14 عاماً، انفصلا بعدها عن بعضهما بعضاً تحديداً في العام 1810. إحدى رسائله إلى زوجته جوزفين، كانت في فبراير عام 1796، ويفهم أنها كانت الرسالة الأخيرة، لطولها، ولطبيعة الأسلوب الذي كتبت به، وإشارات أخرى تنبئ بنهاية غير سعيدة لعلاقة وصفت بالملتهبة، وفقاً لمؤلف كتاب «رسائل حب إلى جوزفين». يقول في تلك الرسالة الأخيرة: تخاطبينني في رسالتك الأخيرة بصيغة الجميع فتقولين: أنتم، أيتها ….! كيف أمكنك أن تكتبي هذه الرسالة؟ كم هي باردة؟ ثم ماذا عملت من تاريخ 23 إلى 26؟ خلال الأربعة أيام هذه لم تكتبي إلى زوجك، آه منك يا صديقتي. مخاطبتك لي بصيغة الجمع وهذه الأربعة أيام جعلتني أندم على لا مبالاتي القديمة والويل. لمن يكون السبب؟ فلتكن عقوبته وعذابه مثل عقوبتي وعذابي «أنتم»، إن صيغة الجمع هذه تعذبني، وإذا كنت تخاطبينني الآن بصيغة الجميع، فماذا سيكون شأنك بعد 15 يوماً؟ إن نفسي حزينة، إن مخيلتي ترعبني، أن حبك لي قد خف وسوف تنتابك السلوى، سيأتي يوم تتوقفين فيه عن حبي. إلى أن يختمها قائلاً: وداعاً يا امرأة حياتي، وداعا يا عذابي.

Email