تجربة المطارات وفوضى السفر

ت + ت - الحجم الطبيعي

خاض أفراد الأسرة حركة سفر مكثفة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. بين مطارات عدة في أمريكا وهولندا وبريطانيا وفرنسا والمجر، سافر كل منا، وخضع لتغيير المسار في «الترانزيت»، ومنا من خرج بحثاً عن فندق لحين إخباره بموعد الرحلة البديلة. ومنا من تاهت حقائبه في الطريق، وأخرى ضلته تماماً. والمحصلة النهائية، حالة من الفوضى العارمة، والتأجيلات والإلغاءات والتأخيرات، وتعديل المسارات لنا ضمن ملايين المسافرين.

ولولا أنني شاهدت بعيني المشهد المهيب لآلاف حقائب السفر المتراكمة في بهو في مطار «هيثرو» البريطاني، لاعتقدت أن الصور على منصات التواصل الاجتماعي مفبركة.

نقص كبير في أعداد موظفي المطارات، بسبب التخلي عن الآلاف منهم هنا وهناك، تحت وطأة الوباء، وصعوبة إعادتهم أو توظيف غيرهم في وقت قصير، وذلك بعد ما تم رفع أغلب القيود وتخفيف الإجراءات. موجة إضرابات بين موظفي هذه المطارات، وكأنها في حاجة إلى مزيد من المشكلات. فالموظفون المتبقون، وجدوا أنفسهم يقومون بمهام مضاعفة، مع بدء موسم الصيف والسفر، مضاف إليه لهفة الملايين على السفر بعد عامين من الحبس الانفرادي. ولا يمر يوم دون خبر عن إضراب موظفي شركة طيران هنا، أو قطاعات في مطار هناك، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الزحام والفوضى.

ووصل الأمر لدرجة أن مطار هيثرو، الذي كان أحد أكبر مطارات العالم، وضمن أكثرها ربطاً بين القارات والدول، يعاني اليوم معاناة مريرة، اضطرته إلى مناشدة شركات الطيران المختلفة، تقليل أعداد الركاب، وذلك لحين قدرته على العودة لوتيرة العمل الأصلية. ولم يحدث في تاريخ الطيران من قبل، العمل على تخفيض أعداد تذاكر الطيران الجاري بيعها. وهذا يعني أن الأوضاع بالفعل غير مسبوقة.

وما مطار هيثرو إلا نموذج واحد لما تعانيه عشرات المطارات في دول عدة حول العالم. والأدهى من ذلك، أنه بحسب تقييمات وكالت سفر وسياحة، فإن الفوضى في «هيثرو» ليست الأسوأ. فهناك ما هو أسوأ، في بروكسل وفرانكفورت وبودابست ولشبونة وباريس وغيرها.

غاية القول، إن أوضاع عشرات المطارات وحركة السفر، تواجه فوضى وارتباكاً غير مسبوقين.

وحيث إن نقطة الانطلاق، ثم العودة لأفراد الأسرة، في خضم هذا المشهد، هي مطار القاهرة الدولي، وعلى الرغم من فروق الإمكانات والسعة وغيرها، إلا أن مطار القاهرة الدولي، يظل محتفظاً بقدرته على العمل كالمعتاد دون تأخير أو تعطيل أو إلغاء، إلا في حدود الهوامش العادية، وليست الفوضوية.

وفي السياق ذاته، يبزغ مطار دبي الدولي، كعادته، وجهة مشرفة، حتى في أحلك الظروف الدولية. مطار دبي احتفظ لنفسه في عام 2021، هذا العام بالغ الصعوبة، بـ 3.5 ملايين مقعد حصيلة حركة السفر. وأثبت أنه مستمر في التعامل مع الظروف الاستثنائية بطرق استثنائية واستشرافية.

وحين يجدد المطار العهد بتقديم أفضل الخدمات وأعلاها جودة للمسافرين، في خضم أزمة دولية بهذا الحجم لملايين المسافرين والعابرين، فهذا يعني الكثير.

الراكب الذي يسافر لأنه يجب السفر، سواء للعمل أو لأسباب أسرية أو صحية أو غيرها، سيتكبد غالباً عناء السفر بشكل أو بآخر، سواء واجه فوضى في المطار، أو تأخر وصول حقائبه، أو فُقِدت أو ألغيت رحلته أو تغير مسارها. أما المسافر اختيارياً، أي لأنه محب للسفر والترحال، أو لأغراض سياحية وترفيهية، فغالباً تؤثر فيه تجربة السفر سلباً أو إيجاباً. فإن كانت تجربة المطار جيدة ولطيفة، فسيميل إلى معاودة السفر عبر هذا المطار، والعكس صحيح.

وقوائم أحلى وأكبر وأزحم وأكفأ وغيرها من قوائم التصنيف كثيرة. وتسن القوائم بناء على معايير مختلفة. فمنها ما يعد المساحة وروعة المعمار أولوية، ومنها ما يصنف الأداء بناءً على المعاملة الطيبة والتسهيلات المقدمة والخدمات المتاحة، وهكذا.

الحقيقة أن ما يكوّنه المسافر من انطباع عن مطار ما، غالباً يدوم. وهو لا يدوم عنده فقط، بل يشكل المسافر مصدراً للتقييم لأصدقائه وأفراد عائلته ممن يخططون للسفر. المطارات هي الواجهة الأولى التي تطالع الزائر أو المسافر لدولة ما. كما أنها المكون الأول في رأيه تجاه المكان. فإن واجه معاملة سيئة، أو على الأقل ودية، أو لم يجد من يقدم له إجابات عن أسئلته أو مساعدة أو خدمة، فإنه عادة لن يعود إلى المطار مجدداً، بل قد يتفادى التوقف فيه، ولو لساعات.

التوقف في بعض المطارات لساعات، أحياناً يكون متعة في حد ذاته. ومطار دبي متعة في تجربة السفر، وكذلك الترانزيت. وأذكر أنني أمضيت مرة ما يزيد على عشر ساعات في مطار دبي، انتظاراً لاستكمال مساري إلى ماليزيا في رحلة عمل، واكتشفت أن الساعات العشر كانت نصيبي الوحيد من الترفيه والراحة في هذه الرحلة.

 

Email