مهارات الاتصال بين انتقاء الألفاظ ودقة التعبير

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتمد الإنسان في نجاح علاقاته مع الآخرين على ما يتمتع به من مهارات الاتصال والتواصل، سواء تعلق الأمر بالمجال المهني أو المجال الاجتماعي. علماً بأن الاتصال يكون أحادي الاتجاه (One way communication)، أما التواصل فهو ثنائي الاتجاه (Two way communication). يتم تفعيل هذه المهارات من خلال استخدام كلمات منطوقة أو مكتوبة من قبل الفرد، تُعبّر عمّا يجول في خاطره من أفكار يستهدف إيصالها إلى المتلقّي. بطبيعة الحال، الطرف المستقبل غير مُطلع على الأفكار الموجودة في ذهن المرسل؛ لذلك نجده يتعامل مع ظاهر الكلمة، بصرف النظر عن مدى توافقها مع ما يريد المتحدث أو الكاتب إيصاله إلى المستمع أو القارئ. 

لكل فكرة مجموعة كلمات وجُمل يمكن استخدامها للتعبير عنها، من هذا المنطلق ينبغي على الفرد المرسل انتقاء أفضل الكلمات المعبّرة بشكل دقيق عن أفكاره. الإشكالية في الأمر، أن البعض عندما يتحدث أو يكتب يستخدم ألفاظاً مفهومة بالنسبة له، من دون أن يسأل نفسه إن كانت مفهومة للمتلقّي أم لا. ينبغي على المتحدث وكذلك الكاتب أن يعي ويدرك أنه لا يوجّه الخطاب إلى نفسه، بل هو يخاطب الآخرين؛ لذلك يتوجب عليه اختيار كلماته بما يتوافق مع مستويات فهم المستهدفين من عملية الاتصال والتواصل. 

يمكننا القول إن أبرز مشاكل التواصل مع الآخرين تكمن في عدم الدقة في اختيار الكلمات التي تجسد الفكرة أو الرسالة التي يُراد إيصالها للطرف الآخر؛ الأمر الذي يخلق فجوة بين ما يقصده المرسل، وما يقوله أو يكتبه فعلاً من جهةٍ أخرى، وبالتالي يحدث سوء فهم بين المرسل والمستقبل. المستغرب في الأمر، أن هناك أشخاصاً يسقطون اللوم على من يعجز عن فهم كلماتهم، ولا يستوعب مقاصدهم، مع أن الذي يتحمل مسؤولية تدني مستوى الفهم بين أي طرفين، هو الطرف المرسل بالأساس وليس المستقبل. 

من أجل توضيح فكرة المقال بأسلوب عملي، يمكننا طرح مثال بسيط يتعلق بمجموعة كلمات يتم استخدامها في وصف مدى انتشار ظاهرة اجتماعية معينة أو سلوك شخصي محدد. هذه الكلمات هي: (دائماً، غالباً، عادةً، أحياناً، قليلاً، نادراً، أبداً). البعض لا يميّز بشكلٍ جيد بين هذه الكلمات، فنجده يستخدمها بطريقة عشوائية، من دون أن يدرك الفوارق الموجودة بينها؛ الأمر الذي يُسهم في إيصال أفكار مرتبكة للطرف المستقبل، وبالتالي تحدث حالة سوء الفهم. 

قد يسأل البعض، عند وصف مدى انتشار ظاهرة معينة، كيف يمكن التمييز بين هذه المستويات السبعة التي تبدأ بكلمة دائماً، وتنتهي بكلمة أبداً ؟ عملية التمييز يمكن أن تتم من خلال ربط كل كلمة بقيمة كمية تعبر عن نسبة مئوية، علماً بأن هذه النسب تقريبية وللتوضيح فقط، كما يأتي: (دائماً 100%، غالباً 80-99%، عادةً 60-79%، أحياناً 40-59%، قليلاً 20-39%، نادراً 1-19%، أبداً 0%). 

المثال السابق، يوضح أن الفرد عندما يتواصل مع الآخرين، عليه التدقيق في كل كلمة قبل أن ينطقها أو يكتبها؛ لأن الكلمات التي تبدو متشابهة أو مترادفة قد تُفهم بطرق مختلفة. لذلك ينبغي على المرسل اتباع أسلوب طرح الأسئلة الاستفهامية على المستقبل؛ ليكون على يقين بأن الفكرة الموجودة في ذهنه قد وصلت بشكل مُحكم ودقيق إلى المتلقّي. بذلك يتم بناء جسور الاتصال والتواصل بين الأفراد بمستوى عالٍ من الدقة، مع التخلص من حالة سوء الفهم التي تسبب كثيراً من الإشكالات بين الأشخاص.

د. راكان عبدالعزيز الراوي

دكتوراه في الإدارة العامة

خبير تطوير موارد بشرية

Email