أبناؤنا والإجازة الصيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ودَّع أبناؤنا وبناتنا الطلاب عامهم الدراسي، بعد أن بذلوا وسعهم، واجتهدوا في الدراسة والمذاكرة وأداء الاختبارات، وفقهم الله وسدد خطاهم، وأنالهم مرادهم من النجاح، وها هم اليوم قد استقبلوا إجازتهم الصيفية بكل فرح وسرور.

يا ترى ماذا تمثل الإجازة الصيفية لأبنائنا وبناتنا؟ إنها بلا شك، فترة راحة ومتعة واستجمام لهم، ولا بد أن يأخذوا نصيبهم الوافر من ذلك، فيُروِّحوا عن أنفسهم، ويستمتعوا بأوقاتهم، ويشاطروا عوائلهم وأسرهم وسائل المتعة والترفيه والسعادة، على أن ينظروا إلى ذلك نظرة واعية ذكية، فيعلموا أن أوقات هذه الإجازة، ما هي إلا جزء من حياتهم وأعمارهم، في مرور كل لحظة منها، مرور لحظة من عمرهم، فيحسنوا استغلال هذه اللحظات والأوقات باعتدال وتوازن، جامعين بين المتع المسلية، والفوائد التي تنميهم وترتقي بهم، بل يحرصون على أن تكون المتع والتسالي ذات قيمة وهدف.

وهذه النظرة الإيجابية لمثل هذه الإجازة، تربي الأبناء على حس المسؤولية، وإدراك قيمة الوقت، والنظر إلى الفراغ على أنه نعمة يجب استثمارها، لا على أنه عبء يجب التخلص منه بأي وسيلة، ولو بإضاعته في ما لا يفيد، وقد قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ»، وتكلم العلماء والحكماء والأدباء والشعراء حول أهمية الوقت، فهو أغلى من الذهب، كيف لا، وهو عمر الإنسان وحياته، والذكي يحرص على أن يكون يومه أفضل من أمسه، وغده أفضل من يومه، في رقي مستمر، وهكذا أيها الابن، احرص على أن تستثمر أوقات هذه الإجازة، وعوّد نفسك على تقدير نعمة الوقت وشكرها، وحسن استغلالها، ولا تضيعها بغير فائدة.

ومن وجوه استثمار الإجازة الصيفية، الحرص على اكتساب المهارات، والالتحاق بالبرامج والأنشطة الهادفة، وقراءة الكتب النافعة، وزيارة الأقارب والأرحام، وتنمية المهارات الاجتماعية، واكتساب اللغات، وكذلك ممارسة الرياضة بانتظام، فالعقل السليم في الجسم السليم، وكذلك تنمية بعض الهوايات، مثل الرسم والكتابة وغيرها.

ومما ينبغي الحذر منه في الإجازة الصيفية، العادات السيئة، ومنها السهر إلى الأوقات المتأخرة، فينقلب الليل إلى نهار، والنهار إلى ليل، وقد يتطور الأمر بالإنسان، حتى يصبح ذلك عادة وروتيناً له، فيغدو السهر شبحاً يطارده، لا يستطيع التخلص منه، وقد ينعكس ذلك سلباً عليه وعلى من يرتبط بهم.

ومتى ما وضع الأبناء خططاً لاستغلال أوقاتهم، لم يقعوا في شراك هذه العادات، بل وضعوا الأمور في نصابها، وعليهم أن يحرصوا في الإجازة على أن يزيدوا من رصيدهم الإيماني، ويكونوا إلى ربهم أقرب، ومن أهم ذلك، المحافظة على واجباتهم الدينية، وخاصة الصلوات الخمس في أوقاتها، وكذلك العناية بتلاوة القرآن الكريم، فهو منبع النور والسعادة، والإجازة فرصة ثمينة للاستزادة من تلاوته العطرة، ومن ذلك كذلك، بر الوالدين، وإعانتهما، فالبنت تشارك أمها أمور الطبخ والتدبير المنزلي، وتتعلم منها، وكذلك الابن، يكون خير معين لوالديه.

ومن أهم ما ينبغي التأكيد عليه، أن تكون الإجازة الصيفية فرصة للتقارب بين أفراد الأسرة وترابطهم، بأن يكونوا إلى بعضهم أقرب، يقضون أوقات وافية جميلة معاً، في المحاورة والمسامرة والترفيه المشترك، والأنشطة الهادفة المشتركة، وألا تسرقهم التقنيات الحديثة عن بعضهم البعض، فلا يليق بالإخوة أن ينشغلوا بهواتفهم وأجهزتهم عن بعضهم، فيجلسوا في الغرفة الواحدة، أجساداً بلا تواصل، والأخطر أن يتفرق الإخوة في غرف منفصلة، يقضون فيها الساعات الطوال بمفردهم، لا يكادون يلتقون معاً إلا أوقات قليلة يسيرة، فتضعف بذلك علاقاتهم، وتجف مشاعرهم، وتلك آفة خطيرة من آفات هذا العصر.

فعلى الأبناء أن يعتدلوا في استخدام هذه الأجهزة من جهة الوقت، وكذلك عليهم أن يحسنوا اختيار ما يفيدهم من جهة البرامج والتطبيقات والألعاب وغيرها، وأن يحذروا كل الحذر مما يضرهم، أو يثير شكاً أو ريبة، ويقع على الأبوين مسؤولية كبيرة في أن يكونوا حضناً دافئاً لأبنائهم، وملجأ يلتجئون إليه، يصارحونهم بأي مشكلة تواجههم، ومن مسؤولية الوالدين، متابعة الأبناء، وتفقّد أحوالهم، وخاصة في عوالمهم الافتراضية، وأن يغرسوا فيهم الوازع الديني، والوعي اليقظ، وقيم المواطنة الإيجابية الصالحة، لكي يكونوا من أنفسهم لأنفسهم حُماةً ودروعاً.
نسأل الله تعالى أن يسدد أبناءنا وبناتنا، ويوفقهم لإجازة صيفية سعيدة.

Email