واجبات القائد

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه ومضة قيادية ذات محتوى جدير بالتدبر والقراءة، تكشف في جوهرها عن فلسفة القيادة وواجباتها، وأنّ القائد يتحمّل من المسؤوليات ما يتجاوز حدود السلطة المباشرة وإعطاء الأوامر، نشرها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ضمن وسمه المعروف «ومضات قيادية» الذي غدا واحداً من أشهر الوسوم التي تُسهم بفعالية في ترسيخ ثقافة القيادة، وتفعيل الروح الوطنية التي تستلهم رؤى القادة الكبار الذين قدّموا للوطن أروع الخبرات وأنبل الجهود والإنجازات في مسيرة التقدم والإنجاز.

في كتابه المتميز بعمق الطرح ورحابة الرؤية «رؤيتي: التحديات في سباق التميز» هناك فصلٌ عميق كتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بعنوان «القيادة» فصّل فيه القول عن مفهوم القيادة مع التمييز الدقيق بين القيادة المكتسبة بالفطرة وبين القيادة المكتسبة بالدراسة والخبرة، وترجيح النمط الأول من القيادة باعتباره نوعاً من الإلهام الذي لا يكاد يُخطئ، لكن أروع ما في هذا الفصل هو ما ما كتبه صاحب السمو بشأن الخصائص الذاتية التي يجب أن تتوفر في القائد حتى يستحق هذا الاسم عن جدارة واستحقاق، حيث ذكر ست عشرة من الخصائص التي تصقل الشخصية القيادية وتجعل منها شخصية محل الثقة، وليس المقام متسعاً للوقوف عند هذه الخصائص تفصيلاً، لكن الإشارة إليها ستكون نافعة في هذا السياق الذي يهتم بالشخصية القيادية ويحدد واجباتها ومسؤولياتها.

«يجب على القائد أن يأخذ بيد مساعديه وأتباعه وفرق العمل اللي عنده، وأن يدرّبهم وأن يعلّمهم ويحاضرهم ويبقى الساعات الطوال معهم»، بهذا الفعل الجازم (يجب) يفتتح صاحب السمو هذه الومضة الثمينة التي تحدد مسؤوليات القائد وتوسّع مداها وتغيّر المفهوم السائد عنها، فالقائد هو رجل الميدان الذي يتحمل العبء الأكبر من واجبات القيادة، وواجبه يتجاوز مجرد المسؤولية الإدارية المباشرة لينخرط مع مرؤوسيه في علاقة تقوم على المساعدة المباشرة لجميع مستويات العاملين من لدن المساعدين إلى جميع أفراد فرق العمل مروراً بالأتباع المباشرين، فالدائرة لا تكتمل بالاقتصار على فئة محدودة من مجموعات العمل التي تعمل مع القائد الجسور، بل هو يتولى التواصل مع الجميع: تدريباً وتعليماً وإنفاقاً للوقت الطويل في الحوار والنقاش وتفحّص المسيرة، والاستماع الواعي لآرائهم والعمل بالنافع منها، بحيث يتم توزيع المسؤوليات على هذه الكتيبة المتعاونة المتراصّة، فيكون للعمل الجماعي رونقه وحقيقته، أما أن يكون القائد مستبدّاً برأيه ولا يكاد يحفل بالطاقات الموجودة لديه، فهذا ليس من صنيع القادة الذين يعرفون المعنى الصحيح والعملي للقيادة الرشيدة.

«حتى يوصلوا للمراتب اللي يريدونها بالتحفيز، بإعطائهم الثقة وكذلك بإعطائهم المسؤوليات»، والنحاة يسمون «حتى» حرفاً لانتهاء الغاية، فالغاية التي يتغيّاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من هذا التواصل الثمين مع فرق العمل هي الوصول بهم إلى الأهداف التي يطمحون إليها وتحقيق المراتب العليا التي يسعون إليها عن جدارة واستحقاق، وذلك بالتحفيز وتحريك الطاقات وتفعيل الروح العملية المنتجة المبدعة، فضلاً عن منحهم الثقة التي هي معيار العلاقة بين القائد وفرق العمل العاملة معه، ليكون ذلك هو الجسر الآمن للزجّ بهم في قلب المسؤوليات التي هي المحكّ الحقيقي للقائد الناجح وتمييزه عن غيره من أنماط القيادة الأخرى.

«فالقائد يجب أن يكون يريد مصلحة شعبه، يريد مصلحة مساعديه، أتباعه، فرق العمل اللي عنده، كذلك عندنا فرق، يعني أنا صراحة أتشرّف فيهم، لو تعقّ الواحد منهم على أيّ مشروع أو عمل قام به بخير وجه»، وبجانب تلك المسؤوليات القيادية المباشرة في تدريب المساعدين والأعوان، يؤكّد صاحب السموّ أنّ للقائد الناجح أهدافاً تتجاوز تلك الدائرة المباشرة من خلال سعيه الدؤوب في تحقيق مصالح شعبه، فهو قائد واسع الأفق، لأنّ اتساع الآفاق يدفع إلى المزيد من العمل والإنجاز، كذلك لا بد من إرادة مصلحة مساعديه وجميع فرق العمل العاملة معه التي يتشرف صاحب السمو بالتنويه بها وبقدراتها المتميزة على العمل والتنفيذ، فلو تمّ تكليف واحد منهم بعمل أي مشروع مهما كان حجمه وضخامته لقام به بكل كفاءة واقتدار، تأكيداً من صاحب السموّ على مدى الثقة التي يوليها للطلائع القيادية التي يُعوّل عليها في تسلم المناصب القيادية التي ستظل هي الضمانة الأمينة لمسيرة الدولة في التقدم وصناعة الذات الحضارية المتميزة.

Email