شهدت العاصمة الإماراتية أبوظبي على مدى الأسبوع الماضي تظاهرة ثقافية عالمية بكل معنى الكلمة مع انطلاق الدورة الـ31 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، والذي أصبح يشكل منصة إقليمية ودولية رائدة في مجال صناعة الكتاب ونشر الفكر وحوار الثقافات والمعارف.

ويكتب المعرض مع كل دورة زخماً جديداً واتساعاً في نطاق المشاركة وتنوعاً في الفعاليات الثقافية المرافقة، حيث شهدت دورة هذا العام مشاركة نوعية من 1130 ناشراً من أكثر من 80 دولة حول العالم، ترافق حضورهم مع أكثر من 450 فعالية ثقافية ومعرفية وإبداعية، وأنشطة تفاعلية تستهدف مختلف فئات المجتمع، ما يجعله أكبر تظاهرة ثقافية في المنطقة، والمنصة الأهم لاستقطاب المعنيين بصناعة النشر والمعرفة، والأكثر استقطاباً للزوار الشغوفين بالكتاب واقتنائه، حيث يصل عدد زائريه سنوياً إلى أكثر من 150 ألف زائر.

ويمكن لأي زائر عادي أن يلاحظ بسهولة وهو يتجول في أنحاء المعرض ملامح هذه التظاهرة الثقافية بكل وضوح، فلا يكاد يخلو أي جناح مشارك من نشاط ثقافي مميز، سواء كان ندوة ثقافية تناقش قضية من القضايا المهمة، أم حفل إطلاق كتاب جديد يضيف للمعرفة البشرية، أم توقيع اتفاقية جديدة للتعاون المعرفي والثقافي، أم نشاطات ترفيهية ثقافية تستهدف الأطفال والنشء لتعزيز وعيهم وتنمية مواهبهم، وغيرها من الأنشطة الثقافية التي تجعل الزائر مفعماً بالأجواء الثقافية في المعرض.

لا خلاف على أن الثقافة أصبحت تمثل إحدى أهم أدوات القوة الناعمة للدول، وتمثل معارض الكتاب إحدى الأدوات والروافد الثقافية المهمة التي تسهم في تحقيق هذا الهدف، من خلال تحولها إلى منصة للحوار والتعاون بين منتجي المعرفة من مختلف دول العالم، والتعرف على ثقافات بعضهم البعض. ويمثل معرض أبوظبي الدولي للكتاب فرصة مهمة لهذا التلاقي الثقافي، حيث أفرد المعرض هذا العام هامشاً مهماً للاحتفاء بالثقافة الألمانية والتعريف بها، مع اختيار ألمانيا ضيف شرف للمعرض، وشهد المعرض العديد من الفعاليات التي تسهم في تعزيز هذا الحوار والتقارب الثقافي الإماراتي-الألماني. كما شهد بروزاً مميزاً لأجنحة أخرى، مثل الجناح الصيني والياباني، وغيرهما من الأجنحة الدولية المشاركة، التي عززت مكانة المعرض منصة للحوار وتلاقي الثقافات.

ولا يتوقف الأثر الإيجابي لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب على الجانب الثقافي وتعزيز القوة الناعمة الثقافية لدولة الإمارات، فهناك تأثيرات اقتصادية مهمة أيضاً، تتمثل في جانبين، الأول هو تعزيز صناعة المعارض الدولية التي تخدم قطاعات اقتصادية عديدة أخرى، مثل قطاعات السياحة والسفر والفنادق، إلى جانب صناعة النشر والطباعة، وهذه كلها توفر مصادر دخل مهمة لكثير من الأفراد والمؤسسات العاملة فيها، ما يعزز من النمو الاقتصادي للدولة، ويعزز من أهميتها مركزاً لصناعة المعارض الدولية، خاصة وأن هذا المعرض يأتي بعد وقت قليل من اختتام أكبر معرض عالمي في العالم، وهو معرض إكسبو 2020 دبي، الذي أشاد العالم كله بمستوى تنظيمه وتميزه.

أما الجانب الآخر، فيتعلق بدلالة نجاح المعرض في تأكيد التعافي الاقتصادي للدولة من جائحة كوفيد 19، واستعادة رونقها بوصفها مركزاً اقتصادياً عالمياً مهماً، وترسيخ نموذجها التنموي الرائد إقليمياً وعالمياً.