في تونس.. النهضة الإخوانية تأكل بأيدي «الديمقراطيين»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلن المعارض التونسي نجيب الشابي يوم 18 أبريل الجاري عن تكوين «جبهة خلاص» تكون مهمّتها الأساسية «إعادة الشرعية وتركيز الديمقراطية، وإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه قبل 25 يوليو الماضي»، وبعد الإعلان، انطلق الشابي في مشاوراته مع الأحزاب التي ستشكّل الجبهة، وكانت ضربة البداية مع حزب النهضة الإخواني ثمّ جاءت الأحزاب الأخرى التي تلتقي معه في التقييم السلبي لمسار 25 يوليو التصحيحي ولم يستثن حتّى «ائتلاف الكرامة» المتطرّف بمواقفه حتّى على حركة النهضة الإخوانية والذي كان الإجماع حاصلاً بالنسبة لكلّ مكوّنات المشهد السياسي والحزبي بأنّه من جيش احتياط «الإخوان» تحرّكه متى اقتضت الضرورة ذلك.

وتفيد معلوماتنا بأنّ نجيب الشابي كان التقى منذ أسبوعين رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنّوشي من أجل رسم ملامح المرحلة المقبلة، ويبدو أنّ الاتفاق حصل على أن يكون الشابي هو مرشّح الجماعة الإخوانية والجبهة التي هي بصدد التشكّل إلى منصب الرئاسة في المرحلة المقبلة، مستغلّين في ذلك وضعه كمعارض تقليدي وكـ«وجه ديمقراطي» مقبول، وفق تقديرهم، في الغرب، وهو ما ينسجم أيضاً مع الطموحات القديمة والمتجدّدة لنجيب الشابّي ذاته والتي تعود إلى فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن عليّ في بداية الألفية وتحديداً منذ انتخابات 2004 التي فشل في أن يقنع فيها المعارضة حينئذ بأن يكون المرشّح الموحّد «للمبادرة الديمقراطية» في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي.

نجيب الشابي، الذي احتضن على مدى السنوات بعض وجوه حركة النهضة الإخوانية في منتدى جريدة «الموقف»، عمد في 18 أكتوبر 2005 إلى بعث حركة سياسية ساهمت بشكل كبير في تطبيع العلاقة بين الحركة الإخوانية والمجتمع التونسي، وكانت هذه الحركة السياسية في مظهرها تناضل من أجل الديمقراطية غير أنّه تبيّن لاحقاً أنّها كانت ورقة «الإخوان» للتطبيع مع المجتمع التونسي، ولم تسجّل هذه الحركة السياسية حينها انضمام عدد من التيّارات السياسية وعلى رأسها «الوطنيون الديمقراطيون» حزب الناشط السياسي الراحل شكري بلعيد.

وبعد 14 يناير 2011 كان من المنتظر أن يتواصل التحالف بين حركة النهضة والحزب الديمقراطي التقدمّي الذي كان يرأسه نجيب الشابي، غير أنّه وبعد انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011 أعلن هذا الأخير على عكس المتوقّع إنهاء التحالف مع الحركة الإخوانية، لتتواصل مواقفه الانتقادية تجاهها وإلى وقت غير بعيد، إذ ومنذ سنتين فقط، أعلن الشابي في حديث لقناة تلفزية تونسية بوضوح تام أنّ حركة النهضة «ليست حزباً بل تنظيماً وطائفة أيديولوجية عقائدية عابرة للأوطان»، مشدداً على«أنّ هدفها هو التمكّن من الدولة في إطار مشروع إقليمي» وكان قال بالخصوص إنّ «النهضة هي الحزب الوحيد الذي لجأ للعنف في مواجهة الدولة ولم تقطع معه إلى اليوم». ولعلّ التساؤل عن الدوافع التي قادت الشابي إلى تغيير مواقفه من الحزب الإخواني والحنين للتحالف معه يُطرح مجدّداً، وهو تساؤل أكثر من مشروع.

إنّ طموح الشابي بالسّلطة وبرئاسة الجمهورية تحديداً هو الذي حرّك «نضالاته» التي قادها باسم الديمقراطية منذ حكم بن علي، وهي التي حرّكت وتحرّك كلّ تحالفاته وانتماءاته لمختلف الأحزاب التي أسّسها أو انتمى إليها لنفس الغرض والهدف.

وتقديرنا للأمر أنّ التقاءه الآن مع النهضة الإخوانية رأى فيه الفرصة الأخيرة لتحقيق حلمه في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وفي المقابل فإنّ حركة «النهضة»، التي أتقنت ككلّ الحركات الإخوانية تقنية التحيّل والمخاتلة ومراوغة الرأي العام المحلّي والدولي، وضعت نجيب الشابي الديمقراطي في الواجهة مثلما فعلت في السابق مع الرئيس المؤقّت محمد المنصف المرزوقي كي تحقّق أهدافها في التمكّن من الدولة والمجتمع، وقد مكّنتها هذه الواجهة «الديمقراطية» بعيد 2011 من التغلغل في الدولة والتمكّن من الحكم، وهي بصدد إعادة إنتاج نفس المشهد الآن مع الشابي. إنّ سياسة حركة النهضة واضحة تماماً، والمطلوب من الرئيس التونسي قيس سعيّد أن يقتنع وبصفة استراتيجية بعيدة عن أيّ نوايا تكتيكية أو مناوراتية، بضرورة الانفتاح على القوى المجتمعية والحزبية والوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشّغل (اتحاد العمّال) وكذلك باقي الأحزاب التي لم تتورّط في تدمير مقدّرات الدولة والمجتمع في تونس، ومنها الحزب الدستوري الحرّ وباقي القوى الديمقراطية. ومن الضروري أن يعي الرئيس التونسي بأنّ التوقيت في السياسة مهمّ جدّا حتّى لا يجد النهضة الإخوانية في الحُكْمِ مُجدداً ضدّ رغبة وإرادة الشعب.

 

* كاتب تونسي

Email