كما عوّدنا دائماً، كان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، متدفقاً وكريماً وقريباً من قلوب الإعلاميين في حديثه إليهم، أثناء لقاء سموه بهم يوم الخميس الماضي في مجلس سموه، للتهنئة بشهر رمضان المبارك.

ولأن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي شغوف بالثقافة عاشق من طراز فريد للكتاب، فإن الثقافة هي مدخل كل حديث يبدؤه سموه، وقد بدأ بها محلقاً بنا بين ماضيها وحاضرها، مركزاً على أهمية الكتاب في حياة الأمم من الرسالات الأولى وحتى عصرنا الحاضر، مستشهداً بما ورد عن «الكتاب» في الكتب السماوية، متحدثاً عن بحث سموه عبر الكتب والمخطوطات عن مسيرة «الكتاب» بين الديانات وأنبيائها وأتباعها.

ورغم تنوع موضوعات حديث صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي امتد نحو ثلاث ساعات، وتشعبه بين الثقافي والإعلامي والاجتماعي، واستشهاد سموه بالعديد من المواقف الشخصية التي مر بها منذ طفولته وعبر مسيرة عمره المديد، بإذن الله تعالى، والذي قضى 50 عاماً منه حاكماً لإمارة الشارقة، إلا أن أكثر ما استوقفني خلال الحديث هو إنسانية سموه، وحرصه على كرامة الإنسان قبل سعيه إلى قضاء حاجته.

يقول سموه إن كرامة الإنسان عنده قبل كل شيء، فهو لا يقبل أن يجلس إنسان على الأرض عند رجليه ليسأله حاجته، ويقول لمن يفعل ذلك إنه سيضطره إلى النزول إلى الأرض ليجلس بجواره إذا لم يقم من مكانه. هذا الحس الإنساني الرفيع لا تجده عند كثير ممن يجلسون على كراسي الحكم، ولا حتى لدى كثير ممن هم أقل من الحكام مكانة وسلطة، ولكنك تجده جلياً لدى قادة دولة الإمارات العربية المتحدة وحكامها، من عهد الآباء المؤسسين ومن سبقهم وحتى اليوم.

والذين عاصروا مرحلة التأسيس يتذكرون جولات القائد الوالد، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وكيف كان يلتقي بأبناء الإمارات من كل الفئات، وكيف كان يجلس معهم على الأرض، يحاورهم ويستمع إليهم ويقضي لهم حاجاتهم. كما يتذكرون المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، ويضربون المثل بتواضعه الجم وحلمه الكبير. هذه الصور الإنسانية الجميلة هي التي تأسس وتربى عليها وجدان أبناء الإمارات، وهي التي تشكلت منها الصورة الطيبة التي عرفها العالم عنهم، حتى أصبحت صورتهم رمزاً للتواضع والسمو واحترام كرامة الإنسان.

اهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حفظه الله، بالإعلام ليس غريباً ولا هو بالجديد، فسموه ذو رؤية عميقة لرسالة الإعلام ودوره في قيادة الشعوب وبناء الأمم. وقد تجسدت هذه الرؤية في تأسيس سموه لتلفزيون الشارقة وافتتاحه له بتاريخ 11 فبراير 1989م، وإعادة افتتاح إذاعة الشارقة في 15 نوفمبر 2000م، وهي الإذاعة الرائدة التي كان قد تم إنشاؤها عام 1972 م، لتقوم بدور مؤثر وكبير في مسيرة الإعلام الإماراتي المسموع، ويتخرج فيها إعلاميون إماراتيون مرموقون، تركوا بصماتهم على إعلام دولة الإمارات وفي تاريخه.

حديث صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي المتدفق والمتنوع أظهر شغف سموه ببرامج البث المباشر على وجه الخصوص. وهو شغف لا يخفى على أحد، حيث إن سموه متابع جيد لجميع هذه البرامج التي تقدمها إذاعات الدولة، وليس إذاعة الشارقة فقط. ولهذا كان أكثر الناس حظاً بتسليط الضوء عليهم والاهتمام ببرامجهم هم زملاؤنا مقدمو برامج البث المباشر. وهو اهتمام يستحقونه، كونهم يحملون نبض الشارع إلى المسؤولين في الدولة والحكومات المحلية. الأمر الذي يقتضي التفاعل مع برامجهم، مثلما يفعل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي يتواصل مع مقدمي الخط المباشر في إذاعة وتلفزيون الشارقة شخصياً، متدخلاً في حل بعض المشكلات، أو موضحاً بعض الأمور، أو معلناً بعض القرارات والمشاريع الجديدة.

وفي هذا تقدير كبير لدور الإعلام في التنوير وإلقاء الضوء على قضايا المجتمع وحل مشكلات أفراده، على اختلاف مشاربهم. مثل هذه اللقاءات بأصحاب السمو قادة دولة الإمارات لا يمكن إلا أن يخرج منها الإعلاميون بانطباعات جميلة ومؤثرة؛ وعلى رأسها اهتمام هؤلاء القادة بالاستماع إلى صوت أصحاب الكلمة من كُتّاب وصحفيين وعاملين في قطاعي الإذاعة والتلفزيون، وإحساس العاملين في هذه القطاعات بأنهم محل احترام وتقدير القادة لهم، ولما يحملونه من أمانة الكلمة.

شكراً صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على هذا اللقاء الجميل، فقد كانت أمسية لا تُنسى من أمسيات الشارقة الباسمة.