حظيت بزيارة إلى طاجيكستان كجزء من وفد إماراتي للدبلوماسية الثقافية عبر مبادرة أهلية، وكنت في معية جملة من الموظفين السابقين والحاليين في عدة جهات. كان الغرض من الزيارة المشاركة في احتفالات النيروز التي شهدتها البلاد في شهر مارس المنقضي، ولكن الهدف الرئيس هو التبادل الثقافي بين الإمارات وشعوب العالم التي تنشد الرخاء والاستقرار وقيم التسامح.

وللأسف لا نعرف الكثير عن طاجيكستان، بالمقارنة مع دول أخرى، والتي كان يطلق عليها العرب بلاد ما وراء النهر، أو خراسان، والتي تغطي جزءاً كبيراً منها. وقد دخلها الإسلام في بداية القرن الهجري الأول، حيث قاد قتيبة بن مسلم الفتوحات الإسلامية في وسط آسيا، إلا أن الدولة السامانية التي كانت تابعة للدولة العباسية انفكت من رباطها مع بغداد وتشكلت كمملكة مستقلة تحت حكم إسماعيل سامني (892 - 907) في عموم طاجيكستان، بالإضافة إلى مقاطعات من إيران أوزبكستان ودول أخرى في المنطقة. وإلى يومنا هذا يعتبر الأخير مؤسس طاجيكستان، وسميت باسمه الطيران الوطني والعملة الوطنية، وكثير من المعالم في البلاد.

وقد تغلل النفوذ الروسي في المنطقة بما فيها طاجيكستان منذ القرن التاسع عشر، وأصبحت طاجيكستان ضمن الإمبراطورية الروسية تحت حكم القياصرة. وبعد حكم القياصرة جاء حكم البلاشفة بعد الثورة الشيوعية في 1917. واستولى الاتحاد السوفيتي على المناطق التابعة للإمبراطورية الروسية في آسيا الوسطى، وما لبث أن أعلن طاجيكستان جمهورية سوفيتية اشتراكية كمكون للاتحاد السوفيتي في العام 1929. وقد قام السوفييت بتغيير حروف اللغة الطاجيكية، وهي أحد تفرعات اللغة الفارسية، إلى حروف سِريلية التي تستخدم لكتابة اللغة الروسية ولغات أخرى في أوراسيا.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي استقلت طاجيكستان في العام 1991، وما أن تحررت من ربقة موسكو، دخلت في أتون حرب أهلية استمرت منذ 1992 إلى 1997. وفي خضم الحرب وصل الرئيس الحالي إمام علي رحمن، الذي أخرج البلاد من الحرب الضروس المدمرة وإرساء دعائم الرخاء في البلاد. وقد جدد للرئيس رحمن عدة مرات، ويبدو أن شعبيته تتزايد.

وكان أول نشاطاتنا حضور خطاب الرئيس رحمن في احتفالات النيروز، التي أقيمت في مدينة بلخ، مولد الصوفي الجليل جلال الدين الرومي، أو كما يسميه الطاجيك البلخي. وكان المهرجان حافلاً بالغناء والأهازيج التي شارك فيها كافة أطياف المجتمع. ولعل أكثر ما يبهر الزائر حب الطاجيك للغناء والمشاركة في الرقصات المحلية، الكبار قبل الصغار.

وتحتل طاجيكستان موقعاً استراتيجياً مهماً في وسط آسيا، حيث تحدها عدة دول: الصين شرقاً وأفغانستان وباكستان جنوباً وأوزبكستان غرباً وقيرغيزستان شمالاً. وتلعب طاجيكستان دوراً مهماً في سياسات وسط آسيا، وخاصة أنها دولة حبيسة ليس لها منفذ على أي بحر، وتعتمد على جيرانها في نقل البضائع عبر الطرق أو القطارات. كما أنها شهدت تدخلات كثيرة من جيرانها أثناء الحرب الأهلية التي ظلت تستعر لنصف عقد من الزمن.

وتواجه البلاد تهديداً من الحركات الدينية المتطرفة، وتكافح بيد من حديد كل أشكال التطرف في البلاد. وبعد سيطرة طالبان على أفغانستان سيكون التحدي أكبر في مواجهة التسلل إلى طاجيكستان. وتنتمي طاجيكستان إلى رابطة الدول المستقلة أو اتحاد الدول المستقلة، التي من خلالها تلعب دوراً لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وفي وقت ما أرسلت روسيا قوات إلى الحدود الطاجيكية - الأفغانية لمراقبة أي تسلل في المنطقة، كما أن الدول الغربية استفادت من موقع طاجيكستان بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية.

ورغم التحديات الجيوسياسية والقلاقل التي شهدتها البلاد، إلا أنها شهدت أيضاً تقدماً عمرانياً وصناعياً. وتتمتع البلاد بقدرات اقتصادية كامنة، فهي تحظى بأراضٍ زراعية ووفرة في المياه، ولديها ثروات طبيعية مثل الذهب والألمنيوم واليورانيوم والفحم. وتعتمد البلاد على تحويلات العمال في الخارج كمصدر للعملة الصعبة، التي تعتبر من أعلى المستويات في العالم، يعادل من 30 - %50 من الاقتصاد الوطني.

ويبلغ عدد السكان حوالي 9 ملايين نسمة، غالبيتهم من المسلمين على المذهب الحنفي، إلا أن آثار الحكم الشيوعي لسبعة عقود محت بعضاً من هذه الهوية. وأعتقد أنه توجد لدول الخليج آفاق واسعة للتعاون مع هذا البلد الآسيوي المهم والواعد اقتصادياً، خاصة في مجال السياحة التي تحتاج إلى استثمار في البنية التحتية، وكذلك في مجالات استخراج المعادن التي تزخر بها البلاد، وخاصة أن بلدان الخليج تتجه شرقاً.

 

* كاتب وأكاديمي