مقاييس السعادة العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتفل العالم في العشرين من مارس من كل عام بيوم السعادة العالمي. فما هي مقاييس السعادة؟ وهل للماديات دور في إسعادنا؟

عندما تتدبر مقاييس السعادة التي تعتمدها الأمم المتحدة في تقريرها لقياس مؤشرات السعادة في العالم، نجدها ستة معايير رئيسية منها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وحرية اتخاذ القرارات، ومتوسط عمر الفرد، وجودة الخدمات التعليمية والصحية، وانعدام الفساد، وانتشار العدل.

والمتأمل لمعايير السعادة، يجد أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يتقدم تلك العوامل. وهذا يعني أن لعامل الماديات تأثيراً على حياة الفرد لكنه لا يجلب السعادة بمفرده فكيف يسعد من يكابد شظف العيش، أو مرارة المرض، أو يعاني من تقييد حريته في اتخاذ القرارات، وعدم إحساسه بالأمان أو غياب العدل، لا شك أن مشاعر السعادة سوف تتلاشى.

وللعلم فإن نصيب الفرد من «الناتج» المحلي الإجمالي يعني تقسيم هذا «الناتج» (قيم جميع السلع والخدمات المنتجة) على عدد الأفراد لقياس مستوى الرفاه الاجتماعي. فعندما يشعر المرء بأن لديه ما يعينه على الاستمتاع بالحد المعقول من مباهج الحياة فإنه على الأرجح سيقترب من مشاعر السعادة.

غير أن الناظر إلى هذه الحياة، يجد فيها الكثير من المنغصات، ولولا تلك المنغصات لما أدرك الإنسان بحبوحة العيش ومتعة السعادة.

ولذا قال تعالى «لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسانَ فِي كَبَدٍ» وهذه طبيعة الحياة. لكن هذا لا يعني ألا يسعى المرء نحو توسيع رقعة السعادة، فالتأكد من أن كل الموظفين في المؤسسات يعاملون بعدالة تامة لابد أن يكون الشغل الشاغل للمدير.

وأن نضع الشخص المناسب في المكان المناسب حتى يتألق ويجد في عمله، ويستشعر المتعة والسعادة الغامرة. وهي مسألة مهمة لأنه حينما ترتسم ملامح السعادة على محيا المرء تتهلل أساريره ويبتسم، والابتسامة معدية. وما أجمل أن نشيع هذه الأجواء في بيئة العمل.

قبل أيام كنت أشاهد فيديو معبراً، حيث كان يتتبع كيف تنتقل المشاعر السلبية بين البشر. فعندما تصرخ على أحدهم في الشارع أو المنزل فإنه يغضب، وسيحمل الشعور نفسه نحو شخص آخر سيقابله، وهذا الثاني على الأرجح سيضيق ذرعاً وسينقل ذلك الشعور لمديره، ويغضب المسؤول فينقل المشاعر السلبية لأسرته.

وكذلك الحال مع صاحب البقالة أو المتجر، إذا ما تلاسنا معه على أمور تافهة، فقد نبدد ما تبقى من مشاعر السعادة كان على وشك أن يعود بها إلى أولاده. وهكذا الحال مع التصرفات الإيجابية التي تبث السعادة في نفوس الناس.

ذلك أن جل تصرفاتنا السلبية أو الإيجابية سيكون لها وقع في نفوس من حولنا، وربما تنتقل هذه التصرفات على مدار الساعة في جميع أنحاء الكرة الأرضية. فلو افترضنا أن كل فرد من الـ 7 مليارات قرر أن يسعد شخصاً واحداً، بكلمات إطراء أو معروف فإن ذلك سينتقل إلى آخرين ويعم كوكبنا راحة ذهنية كبيرة ومشاعر إيجابية.

ويبدو أن السعادة ليست مجرد مشاعر مريحة، فهي عامل مساعد للإنتاجية والحيوية. فقد كشفت دراسة في ليتوانيا عام 2016، أن الأفراد الذين تحلوا بعقلية إيجابية «كانوا أكثر استعداداً بنسبة 33 في المئة لأن يكونوا نشطين بدنياً لمدة 10 ساعات أو أكثر أسبوعياً».

وفي دراسة أخرى لجامعة وارويك في عام 2014 تبين أن السعادة قد ساعدت الناس على أن يكونوا أكثر إنتاجية بنسبة 12 في المئة في بيئات العمل، في حين توصلت دراسات أخرى في هولندا عام 2008 إلى «أن السعادة تساعد على التفكير بشكل أكثر إبداعاً وحل المشكلات بشكل أسهل». وفق تقرير للبي بي سي.

خلاصة القول إن السعادة خليط من المشاعر الذاتية، وبعضها ارتدادات لما نقوم به من تفانٍ وبعضها مزيج مما يحدث حولنا. ولما تأملت كتاب الخالق العظيم لأجد معاني السعادة فوجدتها في موضع واحد وهو الجنة؛ في قوله «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا» وفي قوله «فَمِنْهُمْ شَقِي وَسَعِيدٌ» فالحياة يعتريها الكثير من المنغصات وهذه سنة الحياة التي يجب أن تتكيف معها.

 

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة

 

Email