عضلة الوجه المنسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك عضلات عدة في الوجه لكنها منسية، وإذا ما تم تمرينها بالابتسامات فإنها تشرق بها محيانا. وهذا أحد الأسباب التي تجعل البعض يدخل البهجة في نفسك بمجرد أن يحييك بابتسامة عفوية. ولحسن الحظ فإن الإنسان يولَد مبتسماً بالفطرة، فهو بطبيعته ميّال للتبسم في وجوه الآخرين.

ولا تعد الابتسامة شكلية، بل هي تعابير إنسانية فعّالة أثبت العلم الحديث مقدرتها على تغيير شيء من حياة الناس، ففي دراسة مطولة لجامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس «UCLA» مدتها نحو 30 عاماً، حاول الباحثون من خلالها تأمل صور خريجي المدارس لقياس مدى نجاحاتهم وسعادتهم الحياتية وطول زواجهم عن طريق قياس ابتساماتهم. كما قاست درجاتهم في اختبارات الرضا عن الحياة والقناعة وما إذا كانوا قد اعتُبروا لاحقاً ملهمين لمن حولهم. فاتضح أن هناك علاقة بين الابتسامة والرضا الحياتي والتأثير.

وعندما درس الباحثون صور اللاعبين الذين لم يبتسموا في صورهم اتضح أنهم عاشوا لاحقاً ما متوسطه 72.9 عاماً، أما الذين تحلوا بابتسامات عريضة فقد عاشوا ما معدله 80 عاماً. والمفارقة أننا نولَد مبتسمين، فباستخدام تقنية الموجات فوق الصوتية بالأبعاد الثلاثية تبيّن أن الأجنّة تنمو وهي مبتسمة. وحتى بعد الولادة تجد الرضيع يبتسم، ورُصد ذلك بمشاهدات عدة في أثناء نومهم. وكذلك الأطفال المصابون بالعمى يبتسمون. وهذا دليل على أن الابتسامة ليست مرتبطة فقط بما نشاهده بل حتى الأصوات من حولنا ربما تدفعنا للابتسام كما يحدث مع الطفل الكفيف.

وهناك دليل آخر على أن الابتسامة تعبير إنساني مهم. ففي دراسة في غينيا قام بها الباحث بول إكمان، وهو من أبرز الباحثين في موضوعات تعابير الوجه، وجد أن أعضاء قبيلة الفور المعزولة تماماً عن الثقافة الغربية، المعروفين بـ«أكل لحوم البشر» اتضح أنهم يستخدمون ابتساماتهم للتعبير عن حالاتهم. والأرقام تشير إلى أن أكثر من ثلث الأشخاص يبتسمون أكثر من 20 مرة يومياً. ونحو 14% يبتسمون أقل من خمس مرات يومياً. لكن الصدمة كانت أن الأطفال يبتسمون 400 مرة في اليوم. وربما هذا ما يولد لدينا شعوراً بالتبسم عندما نحاط بالأطفال ونتأمل تعابيرهم العفوية الجميلة. وبالفعل أظهرت دراسة لجامعة إبسالا في السويد أنه من الصعب جداً العبوس في وجه شخص يبتسم، والسبب أن التبسم سلوك مُعدٍ ويصعُب التحكّم به. وفي دراسة لمحاكاة الابتسام في جامعة كليرمونت-فيراند بفرنسا حاولت معرفة مدى حقيقة الابتسامة من عدمها. وعندما وُضع قلم في عرض الفم لشدّه لم يتمكن المشاركون من محاكاة الابتسامة بسبب وجود القلم في فم المبتسم. بعبارة أخرى لم يتمكنوا من معرفة صدق الابتسامة من كذبها.

وذكر العالم الشهير تشارلز داروين صاحب نظرية التطور «في أصل الأنواع» أن «الاستجابة الوجيهة» تشير إلى أن الابتسام بحد ذاته يدفع المرء للشعور بأنه في حالة أفضل بدلاً من النص على أن الابتسام (emotion) هو نتاج الشعور بالحالة الجيدة. واستند داروين إلى أبحاث عالم عصبي فرنسي اسمه جوليام ديشني الذي استخدم الصعقات الكهربائية لكي يحرّك العضلات في الوجه لتحفيز الابتسام.

وهناك رابط بين متعة الشوكولاتة والابتسامة على ما يبدو. ذلك أن الابتسامة تُحرّك منطقة الإنجاز في الدماغ، بالطريقة ذاتها التي تقوم بها الشوكولاتة حينما يتناولها الإنسان فتعطيه الشعور بالرضا الداخلي، ولا يمكن لأي شيء آخر إعطاؤه. وأشار باحثون بريطانيون إلى أن ابتسامة واحدة يمكن أن تعادل تحفيزاً نفسياً مريحاً بنفس ما يقارب تناول ألفي لوح شوكولاتة. ويحرك الابتسام الشعور ذاته الذي يحصل عليه الإنسان عند حصوله على 16 ألف جنيه استرليني. وهذا يعني أن 25 ألف دولار لكل ابتسامة. غير أن الإكثار من الابتسام لا يضر مثل تناول الشوكولاتة لأنه يساعد على تقليل الهرمونات الناتجة عن التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين والدوبامين. ويرفع الابتسام تدفق هرمونات السعادة مثل الأندروفين ويُقلل بصورة عامة ضغط الدم. وما جاء أعلاه هو خلاصة خطبة جميلة للباحث رون غوتمان في منصة تيد وترجمها سعد المالكي.

إذن تلك العضلات التي زين بها الله تعالى وجوه البشر، لدينا واجب تجاهها وهو مزيد من التمرين وواجب تجاه الناس باستقبالهم بوجه طلق.

 

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة

Email