شهدت العلاقات الإماراتية - التركية تنامياً متزايداً منذ زيارة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لتركيا في العام 1984، وقد احتفت تركيا بقدوم الضيف الكبير أيما احتفاء يليق بمقام الزعيم الكبير، وتناولت الصحافة التركية حينها الزيارة بكثير من الاهتمام، وشغلت الصفحات الأولى من الصحف التركية الكبيرة.

وذكرت جريدة حرِّيت في 12 أغسطس 1984 تحت عنوان: «تشييد دورٍ لرعاية المسنين.. أيادٍ بيضاء للشيخ زايد»: امتدت الأيادي البيضاء للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الفيّاضة بمشاعر الدفء إلى المسنين في بلادنا… فعمد إلى تشييد دورٍ لرعاية المسنين الذين يتوقون إلى منازل تؤويهم في أسرع ما يمكن، لم ينتظر العودة إلى بلاده، حيث وجَّه تعليماته إلى وفده المرافق له بتشييد مركز تجاري وثقافي وترفيهي يصرف ريعه إلى دورٍ لرعاية المسنين… لم يكن الأطفال أقلَّ حظّاً من المسنين لدى الشيخ زايد، حيث أنشأ لهم صندوق الإغاثة، وطلب من وزيره للشؤون الخارجية الشيخ راشد عبد الله، الذي رافقه في زيارته، الإسراع في تنفيذ المشروع. وقد أفادت المصادر المقربة من الحكومة التركية تعاون المسؤولين الأتراك لإنجاح المشروع، وتتمحور خطوات المشروع حول اختيار المدينة والموقع، ثُمَّ عرض هذه المعلومات على دولة الإمارات العربية المتحدة.

وعند وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في 2002، تعززت العلاقات الإماراتية - التركية أكثر فأكثر، رغبة من تركيا لتعزيز هويتها الإسلامية والشرق الأوسطية. وكان ينظر لتركيا، بكثير من الإعجاب المستحق، لنجاحاتها السياسية والاقتصادية ولإدارة العلاقة بين الدين والسياسة بشكل حصيف عبر التأكيد على علمانية أتاتورك دون تهميش الهوية التاريخية لهذا البلد الكبير.

وقد وصلت العلاقات إلى مرحلة مهمة في تلك الفترة حين قام الرئيس التركي السابق عبد الله غل في 2012 بزيارة إلى أبوظبي على رأس وفد كبير.

كما مرت العلاقات الإماراتية - التركية بفترة سادها فتور بين 2012 إلى 2021، بسبب ديناميكيات إقليمية ليس للبلدين دخل مباشر فيها، إلا أنها عادت وبقوة نحو بناء شراكة استراتيجية قوية ومتجددة انطلاقاً من إدراك كبير لطبيعة المرحلة وتحدياتها، بالإضافة إلى ما تمثلانه من وزن وثقل على مستوى القوة الاقتصادية والدور الفاعل سياسياً.

فكلا البلدين تقدم اقتصادياً بشكل مهول، وتعاونهما الاقتصادي سيكون له أثر واسع في تعافي البلدين وازدهارهما فيما بعد «كورونا». فلذا يهتم البلدان بتحقيق الاستقرار في المنطقة، كما يدركان أن لا تقدم اقتصادياً واجتماعياً وتقنياً دون تحقيق الاستقرار في الإقليم، والذي دخل في اضطرابات لعقد من الزمن.

هناك عدة ملفات لجهة التوترات الإقليمية، والتي يستطيع الطرفان التأثير الإيجابي فيها وإيجاد صيغ جديدة ومبتكرة للحلول السياسية في مناطق الصراعات وعدم الاستقرار. ولعل أول هذه المناطق هي سوريا، فهناك تعافٍ في هذا البلد الذي عانى طويلاً من ويلات الحرب الأهلية. وبإمكان الإمارات وتركيا التعاون لتحقيق نوع من الاستقرار.

اليمن والصومال والعراق وليبيا ولبنان تعاني من عدم الاستقرار بدرجات متفاوتة. هناك الكثير مما يستطيع أن يقدمه الطرفان لتعزيز السلم الأهلي في هذه البلدان.

بلا شك هناك مجالات واسعة للتعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية من السياحة إلى التصنيع العسكري إلى الاستثمار إلى التعاون الثقافي والأكاديمي. والأهم من ذلك التركيز على الدبلوماسية العامة، وعلى علاقة الشعبين التاريخية، والتي ستشكل الأسس الرئيسة لعلاقات دائمة ومتميزة.

 

* كاتب وأكاديمي