شخصيات تحت المجهر

إبراهيم حميدان.. أول رئيس لمجلس الشورى البحريني

ت + ت - الحجم الطبيعي

البحرينيون الوطنيون المخلصون، الذين ساهموا بعلمهم وخبرتهم في رفعة شأن وطنهم بتفانٍ ونزاهة، دون أن يكتسبوا من مناصبهم الحكومية، أو تغيرهم شهرتها وامتيازاتها، كثر. أحد هؤلاء، هو الوزير والقاضي والمحامي إبراهيم حميدان، الذي فقدته البحرين في 19 يونيو 2011، من بعد قرابة نصف قرن، قضاه في الحياة العامة، تقلب خلالها في وظائف رسمية عديدة، وكان فيها نموذجاً للعطاء والزهد والتواضع والأخلاق الحميدة، والحرص على وحدة النسيج الوطني.

ففي ذلك اليوم، لفظ حميدان أنفاسه الأخيرة، من بعد صراع مع سرطان البنكرياس، الذي لازمه لعدة أشهر، ولم ينجح أطباء مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض في علاجه، لأنه كان قد انتشر في جسده. وفي اليوم التالي، ووري الثرى بمقبرة المنامة، ونعاه الديوان الملكي ببيان، عدّد خصاله ومآثره.

قليلة هي الصور والأخبار المنشورة عنه في الصحافة، لأنه تمسك بمبدأ العمل بصمت، بعيداً عن الأضواء والحوارات والتصريحات الإعلامية التي عادة ما يسعى إليها شاغلو المناصب العامة، لتلميع صورهم وإنجازاتهم. ولولا الكتاب اليتيم الذي ظهر بعد وفاته، من إعداد الناقد الدكتور فهد حسين، بعنوان «إبراهيم حميدان، سيرة من ضوء»، لما عرفنا التفاصيل الدقيقة عنه، ولما كانت سيرته متاحة أمام الأجيال الجديدة، ليتعرفوا إلى وزير نموذجي، أدى دوره بأمانة وإخلاص.

1938

أبصر إبراهيم حميدان النور بالمنامة، في 5 يوليو 1938، لأسرة بحرينية متواضعة الإمكانات، وتربى في مناخ عائلي وطقوس اجتماعية تقليدية، فنشأ محبوباً من الجميع، ونما راضياً قنوعاً، دون دلال أو تطلع إلى ما يفوق إمكانات أسرته. درس أولاً في حلقات القرآن التي كانت والدته تدير إحداها، ثم نقله والده العامل الحاج محمد حسن حميدان، إلى المدرسة الجعفرية، فتخرج فيها عام 1953. في هذه المدرسة الابتدائية، عشق مادتي اللغة العربية والرسم، ومارس لعبتي القدم والسلة، وكوّن صداقات كثيرة استمرت طويلاً، لكنه عشق أيضاً اللغة الإنجليزية، التي تلقى المزيد من دروسها في فصل دراسي خاص، كان قد افتتحه ابن خالته الحاج سلمان بن أحمد. بعدها واصل دراسته بمدرسة المنامة الثانوية، وتخرج فيها عام 1957. ولكي يكتسب مهارات العمل وثقافته، ويدخر بعض المال لمصروفه الشخصي، عمل لمدة 3 أشهر خلال العطلة الصيفية لعام 1956 في البنك الشرقي.

في عام 1957، ذهب إلى القاهرة، في محاولة لاستكمال تحصيله الجامعي، فأمضى فيها نحو عامين، نهل خلالهما الكثير من معارف مصر وثقافتها، لكنه قرر أن يختط لنفسه طريقاً مختلفاً عن بقية أقرانه البحرينيين. وهكذا، ذهب في أوائل عام 1961 إلى المغرب الأقصى، ليتخصص في القانون، بعد أن حصل على منحة دراسية من جامعة الرباط، التي منحته ليسانس الحقوق عام 1964. لذا، يمكن القول إن حميدان وزميله خليفة البنعلي، هما أول طالبين بحرينيين يلتحقان بجامعة في المغرب العربي. ونظراً لتواضع إمكاناته المادية، اعتاد حميدان ألا يعود إلى وطنه خلال إجازاته الصيفية، مفضلاً البقاء في المغرب، والنوم داخل الغرف الملحقة بالكنائس، لأن المنحة ــ بحسب رواية زوجته (ابنة خالته) ــ كانت تغطي نفقات الدراسة والسكن طوال العام الدراسي فقط، وليس في فترة الإجازات. وعليه، فليس من المبالغة القول إن الرجل لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب، وإنما صنع نفسه بنفسه، وكافح حتى صار من رجالات الدولة الكبار، ثم ربى أبناءه الأربعة (ياسر وخالد ومحمد وسلمان)، بالطريقة نفسها، وجعلهم يعتمدون على أنفسهم.

رغب حميدان في مواصلة دراساته العليا لنيل درجة الماجستير في القانون، غير أن أحواله المادية وقفت عقبة في طريقه، ناهيك عن إلحاح أهله البسطاء عليه، بالعودة إلى البحرين، لدخول سوق العمل، والاكتفاء بما تعلمه.

حينما عاد إلى البحرين، مكللاً بشهادة الحقوق، بدأ حياته المهنية عام 1964، من خلال مكتب للمحاماة في شارع باب البحرين بالمنامة، شراكة مع زميله في الدراسة الجامعية، المرحوم خليفة البنعلي. وظل يعمل به من عام 1964 إلى 1969. وبسبب نجاحه وبروزه في تخصصه، وما عرف عنه من ولاء وإخلاص للوطن، تمّ تعيينه في الفترة ما بين عامي 1970 و1972، مدعياً عاماً بوزارة الداخلية. وفي أعقاب انتهاء معاهدة الحماية بين بريطانيا والبحرين عام 1971، تمّ اختياره عام 1972، ليكون أول وزير للعمل والشؤون الاجتماعية، وظل يشغل هذا المنصب الوزاري حتى عام 1975، حينما أنيطت به مسؤوليات حقيبة المواصلات، التي ظل ممسكاً بها حتى عام 1992. وخلال هذه الفترة، وتحديداً ما بين عامي 1980 و1992، شغل بحكم منصبه كوزير للمواصلات، رئاسة مجلس إدارة شركة البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية (بتلكو)، إحدى أيقونات الاقتصاد البحريني الخمس.

موعد مفصلي

في عام 1992، كان حميدان على موعد مفصلي في مسيرته المهنية الرسمية. ففيه اختاره الأمير الراحل، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، رحمه الله، ليكون أول رئيس لمجلس الشورى، الذي استعادت البحرين من خلاله تجربتها النيابية، من بعد حل برلمانها المنتخب عام 1975.

ظل حميدان يدير مجلس الشورى لثلاث دورات متتالية، انتهت في سنة 2002، مع بدء قطف ثمار المشروع الإصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، والتي تمثلت في إجراء انتخابات عامة، لاختيار أعضاء مجلس النواب، وتعيين 40 شخصية من ذوي الكفاءات في مجلس جديد للشورى.

والمعروف أنه حينما أطلق الملك حمد بن عيسى آل خليفة، مشروع ميثاق العمل الوطني سنة 2000، وقع اختياره على حميدان، بسبب خبرة الأخير الطويلة في العملين الوزاري والشوري، ليكون نائباً لرئيس اللجنة الوطنية العليا لمشروع الميثاق، فأدى مهمته على أكمل وجه. والمعروف أيضاً، أنه حينما تأسست أول محكمة دستورية في تاريخ البحرين، في سبتمبر عام 2002، كثمرة من ثمار المشروع الإصلاحي، لم يجد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، شخصية أفضل لترؤسها، من حميدان، الذي ظل رئيساً لها حتى تاريخ وفاته. وتقديراً وعرفاناً لمجمل ما قدمه لوطنه وشعبه، تم منحه وسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الأولى.

Email