الإعلام وتوجيه الرأي العام

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت وسائل الإعلام اليوم على اختلاف أنواعها جزءاً أساسياً من حياة الأفراد والمجتمعات، وخاصة في هذا العصر الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة مع التطور التقني الهائل الذي أصبح سمة فريدة من سمات هذا القرن، والذي أدى إلى تنامي تأثير وسائل الإعلام، وسعي مختلف المؤسسات والجهات لاستثماره، لما له من دور كبير في تشكيل الآراء وتوجيه الاهتمامات والتأثير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وفي الحروب النفسية وفي العلاقات بين الدول وفي التأثير على قرارات الناس، وقد يتم ذلك بشكل إيجابي أو سلبي.

 

إن الإنسان بطبيعة الحال كائن اجتماعي، يميل إلى معرفة ما يحيط به، مما يجعله عرضة للاعتماد على المعلومات التي يتلقاها والتأثر بها، وقد لا يتحلى بالتفكير النقدي الذي يدفعه للتأكد من صحة هذه المعلومات، وخاصة تلك التي يستمدها من وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت أكثر سهولة في الوصول وسرعة في الانتشار.

وهذا التأثر بالإعلام ممتد حتى على مستوى الأطفال، فكم سمعنا عن أطفال تأثروا ببعض الأخبار التي شاهدوها أو سمعوا عنها دون أن يمتلكوا وعياً كافياً في فهم طبيعتها وأحداثها، ومنهم ذلك الطفل الذي لم يبلغ خمس سنوات، والذي حاول محاكاة واقعة سقوط الطفل ريان في البئر، فرمى نفسه في بئر عميقة، اعتقاداً منه أن ذلك لا يضره، فلقي حتفه، مما يحتم على الأسر تكريس الوعي وتوجيه الأطفال بشكل صحيح فيما يتعلق بهذه الأخبار، ومن جوانب التأثير الإعلامي على الأطفال كذلك ما ينتج عن مكوثهم الساعات الطويلة مع الأجهزة الإلكترونية ومتابعتهم غير الرشيدة لبعض التطبيقات مثل تطبيق «تيك توك»، مما يجعلهم عرضة لظاهرة التقليد الإلكتروني لما يشاهدونه ويسمعونه، والتأثر السلبي ببعض الآراء، ومن الأمثلة على ذلك الآراء المناهضة للقاحات فيما يتعلق بأزمة كورونا.

لقد كانت جائحة كورونا نموذجاً على مدى التأثير الذي قد يُحدثه الإعلام في توجيه الرأي العام، ابتداء من إدراك طبيعة هذا الوباء، وهل هو وباء حقيقي أم خدعة مصطنعة، وكذلك ما يتعلق بتلقي اللقاحات وفوائدها أو أضرارها، فقد دارت صراعات إعلامية حول هذه القضايا، مما أدى إلى جنوح بعض الناس إلى نظريات المؤامرة والتعامل مع الوباء على أنه خدعة والعزوف عن تلقي اللقاح، مما عرَّض بعضهم لخطر الإصابة بالوباء وفتك ببعضهم، وفي المقابل لعبت كثير من وسائل الإعلام دوراً إيجابياً كبيراً في توجيه الشعوب نحو سياسات مكافحة فيروس كورونا عبر الإجراءات الاحترازية وتلقي التطعيم، وكانت دولة الإمارات على رأس الدول التي عملت على استثمار الإعلام بشكل فعال في مكافحة الجائحة ووقاية المجتمع منها، سواء عبر تقديم الإحاطات الإعلامية المستمرة، أو عبر الجهود التوعوية التي تدعو للالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية، وتبين أهمية اللقاح وتحث على تلقيه، مما أثمر عن نجاح الجهود الرامية للتعافي والعودة التدريجية للحياة الطبيعية.

وكذلك على المستوى السياسي رأينا كيف لعبت بعض وسائل الإعلام دوراً كبيراً في زعزعة استقرار الدول إبان ما سمي بالربيع العربي 2011، وعملت على خلق فوضى في بعض المجتمعات، وتهييج الشارع العام، وبمقدار نجاحها المؤقت آنذاك فشلت فشلاً ذريعاً في مد هذه الموجة إلى المجتمعات الأخرى، وهو ما ينسجم مع نتائج بعض الدراسات التي أكدت أن تأثير وسائل الإعلام يختلف باختلاف المجتمعات والبلدان، وأن هناك عوامل عدة تتدخل في خط هذا التأثير، ومنها العوامل الوطنية، وكذلك الإعلام المحلي الذي يدعم الاستقرار والذي يناهض بطبيعة الحال الإعلام المغرض الموجه، وهو ما يؤكد أهمية ترسيخ القيم الوطنية وتعزيز دور الإعلام في دعم الاستقرار والأمن في المجتمعات.

والجدير بالذكر أن أحد التحديات في هذا الباب توظيف الإعلام للتأثير على الرأي العام من قبل التنظيمات المتطرفة، التي تدرك أهمية الإعلام، وأثره في الاستقطاب، مما يحتم جهوداً إعلامية فعالة لمواجهة هذا الاستقطاب.

وها نحن اليوم نرى الحشد الإعلامي الممنهج فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا، سواء الذي يدعم هذا الجانب أو ذاك، وما يُحدثه الإعلام من تأثير على مجريات الأحداث.
إن تأثير الإعلام كبير في توجيه الآراء وتشكيلها، وهو ما يحتم على الفرد التحلي بقيم المواطنة، والوعي الرشيد، والتفكير النقدي البناء.

 

* كاتب إماراتي

Email