الجينوم والعلم النافع في «إكسبو»

ت + ت - الحجم الطبيعي

حاولت الخروج من دائرة الكتابة عن «إكسبو 2020 دبي»، ولكن الحدث صرح، والصرح جدير بما هو أكثر من مجرد إشارة أو إشارتين.

هذه المرة ليست إعجاباً وذهولاً من حجم «إكسبو» وتنوعه، لكن إشارة إلى حدث «الجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين» الذي استضافه «إكسبو» قبل أيام، والذي قال الكثير.

الكثير مما يكتب على صفحات الجرائد ويثار في وسائل الإعلام يتم التعامل معه من قبل المتلقي باعتباره أخباراً عامة أو إشهارات رسمية لا تعنيه كثيراً في حياته اليومية.

والكثير مما يدور حولنا في منطقتنا العربية يتعلق إما بصراعات أعيت الجميع، أو مشكلات اقتصادية أثقلت كواهل الملايين، أو بخرافات تفرض نفسها على عقول البعض.

لذلك حين يستضيف «إكسبو 2020» فعالية عن الجينوم وتتشابك وتتقارب فيها معارف مصرية وإماراتية احتفاء بهذا العلم الاستراتيجي بالغ الأهمية فإن أقل ما ينبغي هو التصفيق بحرارة.

فأن يكون لدينا علم عربي واهتمام رسمي ودعم وطني وفعاليات تعريفية واحتفائية بعلم الجينوم وتطبيقاته في بلادنا وسط كم غير قليل من الأجواء الطاردة للعلم والمعادية للتقدم، فهذا يعطينا الأمل ويفتح مجالاته من أوسع الأبواب.

أبواب «إكسبو 2020 دبي» المفتوحة على شعار هو منهج عمل، حيث لقاء العالم من أجل صناعة غد أفضل جعلت سيرة مشروعات الجينوم في كل مصر والإمارات وبقية الدول العربية «على كل لسان»، لكنها ليست سيرة نميمة، بل إلمام مبسط رغم عمقه وميسر رغم صعوبته. الجينوم الذي سيحقق طفرة إنسانية في تشخيص الأمراض والاكتشاف المبكر لاحتمالات الإصابة بالأمراض الوراثية.

بالإضافة إلى تطوير صناعة الأدوية والتحكم فيها بشكل يهدف إلى علاج الكثير من الأمراض الوراثية أصبح عقب فعالية «إكسبو 2020 دبي» مثار حديث ونقاش. فالفعالية التي عرضت خلالها مصر ملامح وأهداف وخطوات مشروعها الذي يعد ضمن الأهم والأكبر على مستوى أفريقيا سلطت الضوء على نقاط بالغة الحيوية.

فالعالم العربي لم يعد ذلك العالم البعيد عن ركب الحضارة الإنسانية والعلمية، بل هو في القلب منها ويخطو خطوات متسارعة ليكون في المقدمة. والعالم العربي ليس فقط تاريخاً وجغرافيا وسياسة واقتصاداً وثقافة وإيجابيات وسلبيات، لكنه أصبح علم المستقبل المتبلور الآن.

ما تبلور في «إكسبو 2020» عبر فعالية الجينوم المصري وإطلاقه في دبي تحدثت عنه رئيسة جمعية الإمارات للأمراض الجينية الدكتورة مريم مطر بقولها إن مصر فيها تراكم علمي من المعرفة عمره آلاف السنوات يعود إلى المصريين القدماء.

وهذا يفتح الكثير من أبواب المعرفة التي تملأ الثغرات المعرفية الكثيرة. الدكتورة مريم مطر استشرفت الفائدة من المشروع المصري وفائدته ليس لمصر، بل للمنطقة العربية كلها، حيث مصر ذات المئة مليون مصري ويزيد تقدم ميزة كبرى للبحث الجيني والمعرفة، فكلما زاد حجم العينة كان النتاج المعرفي أكثر توثيقاً وأعمق مرجعية.

هذا الكلام الرائع عن مشروع «الجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين» يتكامل مع النتاج المعرفي والبحثي بالغ الأهمية لكل من «جمعية الإمارات للأمراض الجينية» و«برنامج الجينوم الإماراتي» عبر منصة «إكسبو 2020 دبي» ليصنع طاقة نور وعلم ومعرفة وأمل لكل الشعوب العربية.

وحين تسلط فعالية الضوء على أعمال تعدت مرحلة الحلم إلى العمل، فإن هذا يعني أن القادم أفضل لكل مواطن عربي. الخريطة الجينية هي بمثابة خطة عمل علمية عملية لتشخيص أمراض والتنبؤ بها والوقاية منها والخروج بأدوية تتناسب والخصوصية الجينية للأفراد. هذا يعني أن دواء المستقبل دواء شخصي مفصل خصيصاً للمريض، ما يعني علاجاً أضمن وشفاءً أسرع وكلفة أوفر، وبالتالي حياة ذات جودة أعلى.

جودة الحياة حيث الإنسان موفور الصحة البدنية، وبالتالي النفسية تعني أن التعاون والتكامل المعرفي والبحثي والعلمي العربي لم تعد اختيارات مطروحة على الطاولات الموسمية أو اختبارات لمتانة العلاقات السياسية والاقتصادية، بل شروطاً وضمانات للمضي قدماً.

الدكتورة مريم مطر قالت إن العرض المصري لمشروع الجينوم كشف الستار عن أن المشروع انطلق بالفعل.

أصبح هناك مبنى وخطة عمل ومعدات وقوى بشرية و«سوبر كمبيوتر» (مركز معلومات متصل بحاسبات فائقة السرعة) وإرادة سياسية مصرية تدفع المشروعات دفعاً للأمام. المشروع المصري للجينوم، حين يتكامل مع «جمعية الإمارات للأمراض الجينية» و«مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية»، يكون الناتج علماً ينتفع به مصرياً وإماراتياً وعربياً وإنسانياً.

ما أروع هذه القدرات التنظيمية والاستشرافية في ظل وباء عالمي، وما أحلى حب العلم والعلماء، وما أبدع الدكتورة مريم محمد فاطمة مطر التي عرفت أن الأم هي من يهب محطة الطاقة في الخلية أو «الميتوكوندريا»، فأصبحت مريم محمد فاطمة مطر «عربون محبة لوالدتها».

 

 

 

 

 

 

Email